ثقافة

“فريد الأطرش.. عبقرية موسيقية خالدة”..

احتفالاً باختيار المنظمة الدولية للثقافة “يونسكو” الملحن والمطرب فريد الأطرش السوري الأصل شخصية ثقافية لعام 2015، وبمناسبة مرور مائة عام على ولادته, اختتمت الاحتفالات التي أقامتها وزارة الثقافة في سورية بهذه المناسبة بإصدار الهيئة العامة السورية لكتاب “فريد الأطرش.. عبقرية موسيقية خالدة” للباحث أحمد بوبس.

بانوراما
على الرغم من كثرة المنشورات التي تتناول حياة فريد الأطرش بين الكتب والأعداد الخاصة من المجلات والدراسات المتناثرة هنا وهناك، إلا أنه ومن خلال اطلاع الباحث الموسيقي أحمد بوبس على معظمها وجد أنها تتناول الحياة الخاصة لفريد الأطرش، ولا سيما علاقاته الغرامية ومعلومات عامة سطحية، وهدف هذه الكتب برأيه تحقيق أكبر قدر من المبيعات، لذلك لم يعتمد هذه الكتب مراجع له، وكان مصدره الأساسي عن حياة الأطرش أخوه غير الشقيق منير الأطرش الذي تولى مهام مدير أعماله في السنوات الأخيرة من حياته التي قضاها في بيروت قبل رحيله عام 1974، بالإضافة إلى أفلامه التي شاهدها بوبس كلها، وكذلك المقابلات الإذاعية والتلفزيونية الكثيرة التي أجراها، مؤكداً أن الدافع الأول لإنجاز الكتاب هو الاحتفال بالذكرى المئوية للفنان فريد الأطرش بعد أن اعتمدت منظمة يونسكو عام 1915 وهو العام الذي وُلد فيه عام فريد الأطرش، وقد أوصت بالاحتفال به على الصعيدين العربي والعالمي، مشيراً إلى أن هدفه من هذا الكتاب موسيقي بحت، أي تسليط الضوء على المسيرة الموسيقية والغنائية والسينمائية للأطرش دون التعمّق في قضايا موسيقية اختصاصية جداً لا تهمّ القارئ غير المتخصص، أي أن بوبس حاول أن يقدّم بانوراما عن الأطرش توضح العلاقة بين حياته وإبداعاته الموسيقية حيث الارتباط بينهما وثيق جداً، وبذلك يقدّم الكتاب مادة ثقافية عامة عن فريد الأطرش تفيد الدارس المتخصص بالموسيقا والقارئ العادي، مؤكداً أنه توخّى قدر الإمكان أن تكون المعلومات عن الأطرش دقيقة، باذلاً أقصى جهده ليكون الكتاب أقرب ما يكون إلى ذلك.

من أعلام الموسيقا
أكد بوبس في كتابه أنه وعلى الرغم من مرور مئة عام على ولادة الفنان الأطرش وأربعين عاماً على رحيله، إلا أنه لا يزال حيّاً بيننا بألحانه وأغنياته، وسيبقى حيّاً بها في قلوبنا ومسامعنا، وستبقى شاهداً على عبقرية موسيقية أصيلة المنبت متجددة العطاء، مشيراً إلى أن حكاية الأطرش مع الموسيقا هي حكاية عبقرية تفتحت رغم الظروف الحياتيّة الصعبة التي عاشها في طفولته لكن الإرادة والتصميم تتغلب على الصعوبات مهما كبرت وتعاظمت، وهكذا كان الأمر مع الأطرش حين وضع نصب عينيه هدفاً واحداً هو أن يصبح علَماً من أعلام الموسيقا والغناء العربيين، ولم يثنِه عن هدفه فقر ولا تشرّد ولا يُتْم وهو الذي تيتم في عمر العشر سنوات.

لا شاردة ولا واردة
حاول بوبس في كتابه ألا يترك شاردة أو واردة في حياة الأطرش إلا ويوردها في الكتاب، بدءاً من الولادة والنشأة، مروراً بالبداية والانطلاقة بين الغناء والتمثيل، وانتهاء بالقوالب الغنائية عنده والموسيقا الغربية التي اعتمدها في بعض أغنياته، بالإضافة إلى توقف بوبس مطوّلاً عند الغناء الوطني لفريد الأطرش وهي الأغنيات التي قدّمها بصوته أو أعطاها لمطربات ومطربين آخرين، مؤكداً أن هذه الأغنيات تشكل مَعلَماً مهماً من معالم الأغنية الوطنيّة العربيّة، إلى جانب أغنيات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وغيرهم. وقد تنوّعت هذه الأغنيات بين أغنيات للوحدة التي خصّها الأطرش بعدة ألحان غنّى بعضها بصوته، وأغنيات أخرى قومية خاصة ليس فيها ذكر إلا للعرب والعروبة وللعديد من البلدان والمدن العربية، كما نالت فلسطين قسطاً وافراً من اهتمام الأطرش فذكرها في العديد من أغنياته الوطنية، لكنه خصّها بأغنية كاملة عن قصيدة للأخطل الصغير كان قد نظمها في النصف الثاني من عقد الستينيات من القرن العشرين، وحينما قرأها الأطرش في إحدى الصحف أعجبته فقام بتلحينها بشكل بديع وبأسلوب يناسب القصائد الكلثومية، وكان من المفترض أن تغنيها أم كلثوم، ولكن هذا لم يحصل فكانت من نصيب الأطرش ومن درره في الغناء الوطني:
يا جهاداً صفّق المجد له                 لبس الغارُ عليه الأرجوانا
شرفٌ باهت فلسطين به                وبناءٌ.. للمعالي.. لا يُدانى

عازف العود المبدع
ولأن العود كان توأم روح الأطرش ورفيق حياته، يكاد المرء يجد صعوبة في أن يفصل بين الأطرش الملحن والمطرب وبين الأطرش عازف العود المبدع، لذلك أورد بوبس في كتابه رأي الأستاذ مدحت عاصم  الذي اكتشف الأطرش عازفاً بارعاً على العود وهو الذي قال عنه: “هو أمين المهدي في حلاوته، ورياض السنباطي في رقّته، وفريد غصن في مقدرته، إنه عازف من طراز خاص، جمع الحلاوة والقدرة في ريشة واحدة”.
كما رأى بوبس أن للأطرش أسلوبه الخاص والمميز في العزف على العود وهو الذي كان يمتلك تقنيات كبيرة في العزف، لكنها تظهر في عزفه بشكل عفوي ودون تصنّع، موضحاً أن فريد كان بارعاً في التقاسيم والارتجالات لدرجة أصبح فيها مدرسة لها طلابها وعشاقها.
الكتاب إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب، ويقع في 160 صفحة من القطع المتوسط.

أمينة عباس