ثقافة

كثير من الأعمال الدرامية تاجر بأوجاع الوطن والمواطن

شارك مؤخراً في فيلم “فانية وتتبدد” إخراج نجدت إسماعيل أنزور لتكون هذه المشاركة التجربة السينمائية الثانية له بعد فيلمه الأول “غرباء” للمخرج الإيراني عباس رافعي، مبيناً الفنان يوسف المقبل في حواره مع “البعث” أن المشاركة في فيلم سينمائي هي مشروع فني حقيقي، وأهميته كأهمية المسرح بالنسبة له.. من هنا فإنه لم يتردد في قبول المشاركة مع المخرج أنزور في فيلمه من خلال شخصية أبو منصور قائد جبهة النصرة الذي يشتد الخلاف بينه وبين أبو الوليد أمير داعش على تقسيم الغنائم، ليصل الأمر إلى التصفية الجسدية.
< ما الذي أغراك في الفيلم؟
<< موضوعة الفيلم وطنية بامتياز، إذ أنه يسلط الضوء على ما يجري في وطننا سورية منذ خمس سنوات بشكل عام، ويدخل في تفاصيل ممارسات العصابات الإرهابية وفكرها الظلامي القائم ليس فقط على تكفير الآخر، بل وقتله بأبشع الوسائل وهو يتوجه برسالته إلى المجتمعات الغربية ليكون رسالة تحذير من المخاطر الجسيمة التي سيجنيها الغرب من خلال دعمه لهذا الإرهاب، وأعتقد أن مشروع المخرج نجدت أنزور الإبداعي هو السينما، فهو مخرج قادر على إدارة أدواته الإخراجية بامتياز ليصنع في النهاية فيلمه القادر على أن يصل للناس ويرضي ذائقة المتلقي مهما تعددت مشاربه، ولهذا فأنا سعيد بهذه التجربة.
< تلفزيونياً لك مشاركات متعددة هذا العام، فماذا عنها؟ وما هي الشخصيات التي قدمتها؟
<< أنهيت تصوير دوري في مسلسل “نبتدي منين الحكاية” نص فادي قوشقجي إخراج سيف الدين سبيعي وأجسد فيه شخصية أبو ياسر سائق سيارة أجرة وهو رجل طيب يعيش مع ولده الوحيد وهو ضابط الشرطة النزيه الذي يلاحق الفساد والمفسدين، أما في مسلسل “عطر الشام” نص مروان قاووق إخراج محمد زهير رجب فأجسد شخصية أبو دعاس وهو يعيش على أطراف الشام في قبيلة ترتزق من السطو والسرقة والخطف وهي شخصية مختلفة جداً وجديدة في أعمال البيئة الشامية، وحاولتُ أن يكون أداؤها مختلفاً، أما في مسلسل “زوال” نص يحيى بيازي وزكي مارديني إخراج أحمد إبراهيم الأحمد فأجسد شخصية أبو دياب الذي يقيم في الحي منذ خروجه من فلسطين بعد النكبة، وبحكم سنه وحكمته أصبح شخصية اعتبارية، لنكتشف أنه يساعد المقاومة في لبنان وفلسطين بتهريب السلاح بالتعاون مع صديقه.

الممثل هو آخر الأسباب
< تبدو بعيداً عن الأعمال الكوميدية فكيف تفسر ذلك؟
<< عندما يبتعد أي ممثل عن الشاشة فليس هو السبب وإنما هناك أسباب كثيرة، منها المخرج والشركة المنتجة والشللية، فقد يكون الممثل آخر الأسباب في ظل ما يجري من انتهاك مهنة التمثيل والإخراج وحتى الكتابة، وبالتالي فإن ابتعادي عن الأعمال الكوميدية سؤال يوجه للمخرجين، وهم الأقدر على الإجابة، فأنا وفي المسرح وهو الفن الأصعب والأبقى قدمتُ الكثير من الشخصيات الكوميدية.
< أدوار الشر التي تسند إليك  كثيراً كيف تنسجم معها؟
<< يبدو أن لملامحي القاسية دوراً أساسياً في إسناد أدوار الشر لي، ولكنني أعتقد أن ما من شر مطلق في أية شخصية وإلا أصبحت ذات لون واحد.. عموماً أستمتع بأداء هذه الشخصيات أكثر من الشخصيات الطيبة باعتبارها تشكل حالة تحدٍّ للممثل.
< من خلال خبرتك الطويلة في الساحة الدرامية ما أكبر مطب يقع فيه مخرجونا؟
<< إن المطب القاتل الذي يقع فيه المخرج أو من يتصدون لمهمة الإخراج هو الاستسهال في كل شيء، فمن قراءة النص قراءة تعكس من خلال المشهدية والصورة معتمداً على الحامل الحقيقي لمادة النص ألا وهو الممثل الذي يجب أن يختاره المخرج بعناية فائقة، إضافة إلى المعرفة أعتقد أن الإخراج ليس فقط عمل الديكوباج على النص وإنما هو تقديم قراءة معرفية وجمالية للعالم.

ما نراه اليوم مهزلة
< ما رأيك بالأعمال الدرامية المشتركة التي أصبحت موضة حالياً؟
<< الأعمال الدرامية المشتركة مهمة جداً إذا كان الهدف منها محاولة جادة لتقديم عمل عربي مشترك قادر على تجاوز الحدود المفروضة بين الدول العربية، ولكن ما نشاهده من أعمال مشتركة هي دون المستوى اللائق، وغالباً ما تُنتَج بقصد الربح والتجارة دون تقديم مستوى فني وفكري قادر على فرض نفسه على المتلقي، وأعتقد أن أهم الأعمال المشتركة هي الأعمال التاريخية، أما ما نراه اليوم فهو يصل لحدود المهزلة، فنرى في المسلسل عائلة، الأب فيها سوري وأولاده أحدهم لبناني والآخر سوري، وهنالك أيضاً بعض الممثلين من مثل بلهجة غير لهجته.
< كيف ترى واقع الدراما حالياً؟ وإلى أين أخذتها الأزمة برأيك؟
<< ما يجري اليوم في سورية من حرب شرسة تشبه إلى حد ما فقدان الشخص التوازن فيقوم بأفعال وحركات غير مدروسة ومجانية، وكثير من الأعمال تشبه تجار الأزمات والحروب، تاجرت بما يجري، تاجرت بأوجاع الوطن والمواطن، وأستثني بعض الأعمال التي استطاعت أن تحافظ على توازنها في ظل ما يجري.
< هناك عدم رضى عن الأعمال التي تُقدَّم عن الأزمة فلماذا برأيك؟
<< عدم الرضا عن الكثير من الأعمال التي تناولت الحرب مردّه إلى أنها لم تستطع أن تقارب ما يجري، وأعتقد أننا بحاجة إلى فترة زمنية بعد انتهاء هذه الحرب لنستطيع قراءتها في الدراما.
< تكاد تختفي الأعمال الدرامية التاريخية، فكيف تفسر ندرتها اليوم؟
<< أعتقد أن قلة الأعمال التاريخية في السنوات الأخيرة تعود لعدة أسباب، منها الكلفة الإنتاجية الكبيرة وعدم وجود النص المهم القادر على قراءة التاريخ وربطة بالحاضر وخلق حالة درامية مهمة قادرة على تحويل الأحداث التاريخية من درس تاريخ ممل إلى حالة درامية مشوقة، كما يجب أن لا ننسى دور الوضع الأمني الذي تعيشه سورية وخطورة أماكن التصوير، والأهم من ذلك ضرورة وجود جواب واضح لسؤال : “ماذا نريد أن نقول من وراء هذه الأعمال؟” علماً أنني أحضِّر للمشاركة في المسلسل التاريخي “الإمام أحمد” نص محمد اليساري وإخراج عبد الباري أبو الخير وأجسد فيه شخصية ثمامة بن الأشرس وهو أحد أهم زعامات المعتزلة وهي فئة بدأت بنشر أفكارها أيام الخلافة العباسية.

المسرح لم يتوقف
< تقول: “لا أشعر بوجودي إلا على خشبة المسرح” فكيف ترى واقعه اليوم؟
<< كل عرض مسرحي أشارك فيه اعتبره عرساً حقيقياً، ويجتاحني إحساس مختلف أثناء إنجاز البروفات التي أعتبرها حالة وخلق وحالة من التواصل الإنساني على الخشبة، واليوم وفي ظل ما يجري لم أتوقف عن العمل في المسرح، وكانت آخر أعمالي مسرحية “مدينة في ثلاثة فصول” إخراج عروة العربي والتي شاركت في مهرجان المسرح العربي في الكويت، وأعتقد أن المطلوب من المسرح العربي في هذه المرحلة أن يأخذ دور الجراح ويشخّص ما يجري ويُعمِل مبضعه لتشريح الوضع الاجتماعي والسياسي الذي أوصل العالم العربي إلى ما وصل إليه، والحق يقال أن المسرح السوري ورغم كل ما نمر به لم يتوقف عن إنجاز عروضه والمشاركة في الفعاليات المسرحية العربية.
< تقول في أحد حواراتك أن شهرة الفنان في التلفزيون هي مكسب للمسرح.
<< يجب أن نعترف أن التلفزيون هو الأقرب للناس كوسيلة اتصال من المسرح، إذ أن التلفزيون يقتحم سهراتنا في البيوت دون استئذان، أما في المسرح فيجب عليك أن تذهب إليه، إضافة إلى تطور الدراما التلفزيونية السورية وصعود مجموعة من الممثلين ليصبحوا معروفين للمواطن السوري أكثر من نجوم المسرح، ولهذا قلتُ وأقول إن الممثل المعروف تلفزيونياً مكسب للعرض المسرحي إذا شارك فيه، أما هجرة الكثير من الفنانين للمسرح والاتجاه نحو التلفزيون فهذا واضح، وهي ظاهرة عامة، حتى أن من بقي يعمل في المسرح هو كالقابض على الجمر، والسبب في هذه الهجرة مادي لدى الكثيرين، وتأتي الشهرة في المرتبة الثانية، إذ أن ما يقدمه المسرح من شهرة للفنان أقل بكثير مما يقدمه التلفزيون.
< تقول على صفحتك أن الفنان الحقيقي هو الذي يجب أن يكون مشغولاً بقضايا وطنه وهموم أهله، إذاً كيف يجب أن يترجم الفنان هذا الكلام على أرض الواقع؟
<< في ظل ما يجري كثر التخوين ومن يوزع شهادات الوطن والوطنية، وأعتقد أنه ليس من حق أحد أن يكون قيّماً على الوطن، وعلى الفنان تقع مسؤولية أكبر في الدفاع عن وطنه بالسلاح الذي يتقنه لا أن يشارك في أعمال تسيء لأهله وناسه، وبالتالي لوطنه ومن ثم ينظِّر على الآخرين بالوطن والوطنية وتحت يافطة نريد أن نعيش نساهم بتدمير الأوطان.. من هنا أرى أن الفنان الحقيقي هو الفنان المنشغل بقضايا أبناء وطنه، وبالتالي بلده.

أمينة عباس