ثقافة

الكاتب كقارئ

سلوى عباس
تتفاوت الآراء حول إمكانية أن يعيد الكاتب قراءة أعماله بعين قارئ محايد، فهناك من يؤكد صعوبة أن يقف الكاتب من نصه موقفاً محايداً، لأنه أحياناً يرى ما ليس يرضيه، ويأتي التردّد بين أن يتركه كما هو باعتبار أنه نتاج مرحلة معينة، وبين أن يتدخّل فيه لأن أيّ تدخل قد يقلب الأمر رأساً على عقب، منطلقاً من فكرة أنه طالما يكتب فسوف يكون ثمة خطأ ما، أو نقصاً يمكن تجاوزه في مشروع قادم، وحبذا لو أمكن للمرء أن يكتب كتابة كاملة، وأن أي ادعاء من هذا القبيل هو مجرد ادعاء.
وهناك من يرى نفسه حاضراً بين سطور كتاباته، دون أن يكون لديه  اعتراض على أي جملة كتبها، ولا يشعر أن هنالك جملة ضعيفة كان عليه تغييرها، لأنه كتبها بعفوية وكانت صادقة وأكيدة وحقيقيّة، وأن إنتاجه كلّه يعبّر عنه، وأنه عندما تتملّكه الفكرة ويتمثّل شخصية أو فكرة معينة على الأغلب قد يطغى إحساسه على الملكة النقدية التي يحاول الوصول إليها، وقد يقلّل هذا من شأن هذه الملكة وهذا ما يكتشفه فيما بعد.
هناك أيضاً كتّابٌ يقاربون بين رؤيتهم النقدية لنصّهم، والرؤية النقدية الأخرى من القراءات المختلفة له، وما قيل في هذا الشأن، حيث أن كل قراءة للنص هي إعادة خلق أخرى، وعندما يعيدون قراءة أعمالهم قد يتكشّف لهم شيء ما أو إحساس معين يكون غريباً عنهم نوعاً ما.
لكن بعيداً عن كل ما طُرح من آراء لا يمكن لأي كاتب أن يكون حيادياً تجاه ما يكتب، ولا حتى أن يقرأه بعين ناقدة بالمطلق، بل قد يستفيد من القراءات المتعدّدة لنصوصه عبر ما يُكتَب عنها، فتقوده إلى رؤية أمور أخرى لم يكن منتبّهاً إليها، أمّا أن يكون قادراً على قراءة نتاجه بحيادية بعيداً عن إحساسه وإدراكه بأنه من كتبه، فالأمرُ  مرهونٌ بقدرة كل كاتب على امتلاك أدواته النقدية بعيداً عن ما يمكن أن يقدّمه النقاد الآخرون لنتاجه.