اللهم لا شماتة
سلمى كامل
صار الإرهاب قاسماً مشتركاً في الحياة المعاصرة، ووباء يهدد الإنسانية كلها، ولم تعد سورية وحدها ساحة الإرهاب الدولي كما أرادها الغرب الذي أوجعته التفجيرات التي وقعت مؤخراً في بلجيكا وباريس وقبل ذلك بسنوات في لندن ومدريد.
يتفق الأكاديميون أن أي تعريف للإرهاب يجب أن يتضمن سماته الأساسية الثلاث وهي: طبيعته السياسية- استهداف المدنيين- إشاعة جو من الهلع والخوف، وكل الأعمال الإرهابية حول العالم يبدو أنها تسعى لتحقيق هذه الأهداف، وترى الكاتبة لوريتا نابوليني أن المفهوم السياسي للإرهاب هو الأكثر شيوعا بين الناس إذ قامت بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بإجراء مقابلات مع عدد من الايطاليين لمعرفة ردود فعلهم حول الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي، وقد اظهر البعض تعاطفاً، لكن كان هناك آخرون ممن لم يبالوا بمعاناة الأمريكيين وقالت سيدة من الذين قابلتهم المراسلة:
لماذا يجب علي دعم الولايات المتحدة؟ هل نسينا ما فعله الأمريكيون في صربيا عندما قصفوا كل جسور بلغراد مثيرين الهلع في قلوب الناس؟ لا.. لايمكنني التعاطف مع أمة تنشر الموت حول العالم. الآن أدركوا ما يعنيه أن يكون المرء هدفا لاعتداء إرهابي؟ العدد 5-6 مجلة ضفاف.
لو قمنا بإجراء استطلاع في الشارع السوري حول التفجيرات التي حصلت في بروكسل أو باريس أو اسطنبول أو غيرها، لربما سمعنا الإجابة نفسها، فقد فاضت انهار الدم في سورية بدعم من هذه الدول، ولم نسمع موقفاً متعاطفاً أو مستنكراً بل قامت الحكومات الغربية بدعم التنظيمات الإرهابية في سورية بالمال والسلاح، وسهلت وصول الإرهابيين إلى أراضيها، ولعل الأهم هو التبني السياسي لهم وتصنيفهم على أنهم معارضة وثوار، وليسوا إرهابيين.
بعد فوات الأوان يقول الرئيس الأمريكي اوباما أن هناك دولا إسلامية تصدر الإرهاب، وكان يعني السعودية، واليوم تريد أوربا أن تحاصر التطرف الإسلامي وتقضي عليه، لكن المشكلة كما يرى الخبراء ليست أمنية فقط بل سياسية بامتياز، وتتمثل في الفكر التكفيري الذي تغلغل في عقول مواطنيها من أصول إسلامية وهي تتحمل المسؤولية لأنها هي التي سهلت انتشاره في بلدانها عبر تغاضيها عن المال السياسي الذي توظفه دول معروفة في هذا المشروع الظلامي المدمّر للمنطقة وللعالم كله، لكن أوربا كانت تعتقد أنها بمنأى عن الخطر ولن يرتد عليها، بل سيبقى محصورا في الدول الإسلامية نفسها.
الآن دقت ساعة الحقيقة، فالإرهاب يخرج من قلب أوربا، ومن مواطنيها، وليس مستورداً، وفي كل يوم تتسع دائرة المتشددين والتكفيريين، لأن حكوماتها غضت الطرف عن نشاطاتهم وبرامجهم الدعوية، حتى وصلوا إلى هذه الدرجة من النفوذ، وبالتالي فهي تحصد ما زرعت، خاصة فرنسا حيث تتحمل حكوماتها مسؤولية مباشرة في تفجيرات باريس، لأنها سمحت لهؤلاء التكفيريين بالعمل وتحالفت معهم ضد الحكومة الوطنية في سورية.
المهم أن الانتصار على التنظيمات الإرهابية، وأولها داعش في أوربا وسورية وكل مكان في العالم، لا يتحقق بالعمل الأمني والعسكري فقط، بل يحتاج الأمر إلى استراتيجيات فكرية وثقافية وتربوية موازية تتعامل مع جذور المشكلة وليس مع نتائجها فقط، وهنا يمكن أن نتحدث عن وسائل الإعلام والكتب التي تنشر الفكر التكفيري والفرقة بين الأشقاء في الإسلام، وعن الدروس الدينية في المساجد، أما الانترنت فهو المحرض والمروج الأكبر لهذا الفكر، والخطورة تكمن في انه سهل ومتاح للجميع ومن الصعب توجيهه أو السيطرة عليه.