فؤاد ماهر بين وقع الأغنية الوطنية وأجواء الطرب الأصيل
“رغم الجوع ورغم البرد، العتمة بتفتح ورد، وبتبقى الشهبا ع العهد عجب صمودك يا حلب” وقع كلمات أغنية حلب أبكت فؤاد ماهر على مسرح الأوبرا، وأبكت الحاضرين الذين تأججت مشاعرهم بصمود حلب وسورية وتحرير تدمر، فأيّ شجن أثاره ماهر بعد أجواء الطرب التي تشارك فيها مع معاذ قرقناوي، الذي يقود الفرقة الحلبية بإحياء ذكرى موسيقا الزمن الجميل، فيأخذ الحضور الكبير إلى عوالم الطرب الأصيل عبْر التكامل بين الكلمة والتنقل بين المقامات الموسيقية وأنماط الغناء العربي بين القصيدة والدور والموشح.
“أمسية حلب” سهرة طرب أظهرت تأصل حلب مدينة الموشحات بهذا اللون الغنائي، وبأن فؤاد ماهر وصفوان العابد وحمام خيري وغيرهم امتداد لجيل صباح فخري ومدرسته، إذ تمكّن فؤاد ماهر من تلون حنجرته ذات المساحة الصوتية الكبيرة بالتدرج للطبقات العالية مع الانتقالات إلى المساحات الصغيرة من خلال الارتجالات الغنائية، وتكرار مفردات الآهات والأمان وياليل مع الفرقة المكوّنة من العود والوتريات والإيقاعيات الشرقية والقانون والناي، الأمر اللافت التشاركية الثنائية بين العود والقانون بمواضع معينة، وحضور الناي كصولو.. لكن المميز في الأمسية صولو العود الذي قدمه العازف حمدي الشاطر وسبق الأغنية الوطنية فأذهل الحاضرين بإحساسه بنغمات العود التي ترجمت ملحمة الحرب والانتصار، أما الآلات الإيقاعية الشرقية – الدف خاصة -فكان حضورها واضحاً مع عدة مقطوعات وشكّلت فواصل داعمة للجملة اللحنية، مع ظهور تقنية المستوى الثاني الخافت للوتريات لترافق الصولو. والأمر اللافت أيضاً الحضور الكبير للكبار بالسنّ ولربات البيوت خاصةً مما يدل على أن الموسيقا غدت طقساً اجتماعياً لاينفصل عن حياتنا.
الدور والقدود الشعبية
تميزت الأمسية ببرنامج متنوع بدأ بسماعي بيات شوري للفرقة بمشاركة صولو الكمان لقرقناوي بأسلوبه الخاص بالعزف، ليبدأ ماهر بغناء الموشحات ذات الوزن الثقيل وغير المألوفة للجمهور، فأضفى أجواء الطرب مع المقام الفرعي بيات شوري الذي يجمع بين مقام البيات والحجاز، منتقلاً إلى قصيدة بعنوان أغار على بردى، لكن الفاصل في الأمسية كان الدور الصعب الذي قدمه، والذي عدّه النقاد من أصعب الأدوار في الموسيقا العربية لسيد درويش “ضيعت مستقبل حياتي” من مقام بيات شوري وأظهر مقدرة صوته في التنقل الصوتي، وتدرج طبقات الصوت حتى علا صوته في بعض المواضع على صوت العود والقانون والكمان، لكن الأقرب إلى الجمهور كان وصلة قدود من مقام الحجاز، وتعدّ من الموشحات الشعبية ذات المفردات السهلة والمألوفة مثل قد “يا شايفة الفنجان والذي سُبق بصولو الناي للعازف حسام جبولي، وتفاعل الجمهور مع تردد الهنك والرنك مع الكورس لاسيما بمفردة ياعيوني التي أوضحت خصوصية جملتها اللحنية، كانت هذه الوصلة مع “على العقيق، ولولو بلولو” تمهيداً للانتقال إلى القدود الأكثر قرباً من الجمهور والمتداولة والمحفوظة مثل “سيبوني ياناس والفل والياسمين وحبيبي على الدنيا” من مقام النهوند، إلى “ابعتلي جواب وطمّني” الذي أثر في الجمهور كثيراً.
الغناء العربي الكلاسيكي
ولم ينجح ماهر بتفاعل الحاضرين معه بالقدود والدور فقط، بل أظهر براعة في الغناء الكلاسيكي المصري، وتميزت هذه الفقرة بالمقدمات الموسيقية الطويلة لأغنية “كله ده كان ليه” وتميّزت بارتجالات غنائية وحضور الدف بشكل خاص مع بقية الآلات، تبعتها أغنية أغار من قلبي.
جمل لحنية وطنية
في القسم الأخير من الأمسية تغيّر النمط اللحني مع وصلة الأغنيات الوطنية التي ارتجلها ماهر على المسرح تشيد بصمود سورية وجيشنا الباسل وقائدنا، سُبقت بصولو العود للعازف حمدي الشاطر الذي ترجم بإحساسه بنغمات العود المندغمة مع تقنيات الآلة معاناة حلب وصمودها في وجه ضربات الإرهاب التي طالت كل المناحي الاجتماعية والاقتصادية، فكانت كلمات الأغاني مستمدة من واقع الدمار الذي عاشته حلب وواجهته بالصمود “أنا السوري أنا الإيمان، فتى الإنجيل فتى القرآن، أنا التاريخ” تبعتها الأغنية المؤثرة التي أبكت ماهر فؤاد والحاضرين “عجب صمودك يا حلب”، وتميّزت بجمل لحنية قصيرة مغرقة في الألم والحزن، مشكلة المفردة فاصلاً لحنياً لاسيما في مفردة عجب، ليقول الجميع: عجب صمودك يا سورية.
ملده شويكاني