ثقافة

آنـا عكـاش: مـا أقـدمـه للـطفـل أسـتحضره مـن طـفـولتي

بقصة جميلة من عهد الطفولة ما زالت عالقة في مخيلتها وذاكرتها و ظلت هاجساً بأن تقدمها في يوم من الأيام على خشبة المسرح، تعود آنا عكاش ككاتبة ومخرجة إلى مسرح الطفل بعد تجربتها الطفلية الأولى في مجال الإخراج “الدجاجة السوداء” وتبيّن عكاش في حوارها مع “البعث” أن كل ما تقدمه للطفل على صعيد الترجمة والكتابة والإخراج تستحضره من طفولتها، مشيرة إلى أن مسرحية “الأمير اللقلق” والتي من المقرر أن تبدأ عروضها السبت القادم، مشروع قديم كان من المفترض أن يرى النور منذ فترة إلا أن الظروف لم تساعد على ذلك، فظل النص حبيس الأدراج والمخيلة حتى وقتنا الحالي.

وفي الوقت الذي يعد فيه النص المسرحي نصاً غير مقروء بالنسبة للطفل، وهو لا يحيا إلا بعرضه تستمر عكاش في الكتابة في هذا المجال، معترفة بأنها ومنذ وقت طويل لم تعد تكتب لمجرد الكتابة، وبأنها لا تكتب نصاً مسرحياً إلا إذا كانت تعلم علم اليقين بأنه سيُنفذ، وتأسف عكاش لأن القراءة عادة في طريقها للانقراض في بلادنا، فلا أحد اليوم يقرأ لا نصاً مسرحياً ولا قصة ولا رواية بعد أن أصبح التلفزيون والعالم الافتراضي غاية كل الناس. من هنا ترى أن أحد أهداف تقديم عروض مسرحية التعريف أيضاً بمن كتب نصوصها، مشيرة إلى أن كاتب الحكاية الألماني فيلهيلم هاوف كتب عدة أعمال مهمة للأطفال، وهو غير معروف في سورية وأعماله غير مترجمة عربياً رغم انتشاره العالمي، مبينة أنها قرأت قصته “الخليفة اللقلق” عن اللغة الروسية وهي قصة قصيرة جداً، وفي النص المسرحي الذي ستقدمه تم الحفاظ على البنية الأساسية للحكاية مع إجراء بعض التعديلات عليها، وهو يتحدث عن الأمير الذي يمضي وقته في التسلية والغناء والرقص دون أن يحاول معرفة ما يجري خارج قصره، فيأتي المستشار وينبهه إلى هذا الأمر وضرورة أن يتحمل مسؤولياته كأمير اتجاه المملكة، وعندما لا يجد آذاناً صاغية لديه يتفق مع ساحر عاطل عن العمل لحياكة حيلة معينة ليتعلم الأمير من خلالها ضرورة العمل وتحمل المسؤولية.

الثوب الفني
وعن الثوب الفني الذي أرادت أن تلبسه لحكايتها تبيّن عكاش أن الشكل الفني الذي ستقدم فيه هذه الحكاية بشكل نهائي فرضته الظروف القاسية التي نمر ويمر بها مسرحنا وهو شكل ارتبط بالإمكانيات المتوفرة، منوهة إلى أنه كان لديها رؤية فنية وخيار إخراجي خاص بها كانت راغبة في تقديمه على صعيد الديكور والأزياء،  لكن لعدم توفر الإمكانيات اللازمة لإنتاجه كان من الضروري اختزال الكثير مما كانت تطمح إليه كمخرجة في خيارها الفني لـ “الأمير اللقلق”.. من هنا كان الخيار تقديم شكل فني مشابه إلى حد ما لما قدمته في “الدجاجة السوداء” مشيرة إلى أن آلية استخدام الدمى في “الدجاجة السوداء” كانت خياراً فنياً بحتاً، في حين أصبح استخدامها في “الأمير اللقلق” حلاً لتقليص نفقات ملابس الشخصيات، ولنفس السبب تعرض الديكور للكثير من الاختزالات وإلغاء العديد من الاقتراحات على هذا الصعيد، وهكذا ذهب العرض المسرحي في كثير من أجزائه باتجاه الأسلوب الشرطي الذي وإن فُرِض على العرض نتيجة الظروف إلا أنه الأسلوب الذي يحرّض الطفل على استعمال الخيال وتشغيل المخيلة بطريقة إيجابية، وهذا ما حاولتْ أن تبدأ به عكاش في مسرح الطفل من خلال “الدجاجة السوداء” بتركيزها على تحريض مخيلة الطفل أكثر من تقديم أطر جاهزة له.

حالة تقشف
لكل ما سبق من حالة التقشف التي تعرضت لها مسرحية “الأمير اللقلق” كان اجتهادها كبيراً لتقديم ما هو مغرٍ للطفل، متكلة في ذلك على جمال الحكاية بالدرجة الأولى وعلى الممثلين القادرين برأيها على تقديمها بأسلوب شيق وجميل، وكذلك على الموسيقا كحامل أساسي للعرض والتي ألّفها الملحن سامر الفقير، متوجهة عكاش بالتحية إلى كل من قبل أن يعمل معها وفي المسرح في ظل الظروف الصعبة الحالية. من هنا وعلى صعيد الممثلين تؤكد أنها اعتمدت على مجموعة من الممثلين الذين سيعملون معها رغم الأجور المنخفضة التي سينالونها، مشيرة إلى أنهم قبلوا ذلك لأنهم عاشقين للمسرح ويرغبون في الوقوف على خشبته بالدرجة الأولى، موضحة أن من لديه تجارب سابقة في مسرح الطفل كان قد اشتاق إليه، ومن ليس لديه يرغب في خوض هذه التجربة، رافضة عكاش مقولة أن مسرح الطفل يحتاج إلى ممثل بمواصفات معينة لأن الممثل الحقيقي برأيها قادر على العمل مع الصغار والكبار، وبالتالي فإن أي ممثل يمكن أن يعمل في مسرح الطفل ليبقى الأمر مرهوناً بدرجة رغبة هذا الممثل أو ذاك في العمل في هذا المسرح، أما الأداء الذي اعتمدته في عملها فتقر عكاش بأنها تميل للأداء الطبيعي للممثلين بعيداً عن استعارتهم لبعض الأصوات أو المبالغة في الأداء الجسدي أو تقديم حركات زائدة.
وعن سبب افتقاد النصوص المسرحية للخيال المتشبع به القصة أو الرواية أو الحكاية توضح عكاش أن هذا العنصر يكاد يكون مفقوداً في نصوصنا المسرحية لإدراك الكاتب مسبقاً أن ترجمة ذلك على خشبة المسرح أمر غاية في الصعوبة، ففي الوقت الذي يتجاوز فيه الكاتب بخياله المكان والزمان ويخلق عبره شخصياته التي تعيش تحولاتها بالطريقة التي يريدها وكما يتخيلها، تأتي خشبة المسرح لتحد من كل ذلك لأن تنفيذ ما قد يسطره الكاتب في نصه أمر غير ممكن في كثير من الأحيان، وخاصة في وقتنا الحالي لأن ذلك يحتاج إلى إمكانيات مادية وفنية كبيرة جداً لإيهام الطفل بأن ما يحدث هو تحول حقيقي، لذلك فإن الكاتب عندما يكتب نصاً مسرحياً يراعي إمكانية تنفيذ نصه على خشبة المسرح، وهذا ما يجعله يختصر الكثير من الأشياء ليصبح الأمر شبيهاً بما يحدث في الدراما التلفزيونية عندما يُطلَب من الكاتب أن يكتب مسلسلاً بميزانية محدودة.
وما بين الكتابة والإخراج لا تقر عكاش بصعوبة أحدهما على الآخر، فلكل عمل صعوبته وخصوصيته برأيها.
وتأسف للاستسهال الذي يصبغ معظم العروض المسرحية التي تقدم للأطفال من خلال تقديم شخصيات نمطية بات طفلنا يحفظها، في حين أن النص المسرحي الموجه للأطفال يحتاج لتحليل نص كما النصوص الموجهة للكبار، وبالتالي قراءة ليس الحكاية فقط بل وما بين السطور، معبِّرة عن حزنها على ما آل إليه الوضع عامةً والذي أثر سلبياً على العمل الثقافي مما أدى إلى تلاشي العديد من المشاريع الهامة ومن ضمنها مشروعها على الصعيد الشخصي ترجمةً وعملاً في مجال مسرح.
العمل من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا ويشارك فيه الفنانون: آلاء عفاش-مؤيد الخراط-إبراهيم عيسى-روجينا رحمون..  وتبدأ عروضها يوم السبت القادم على خشبة مسرح القباني- الرابعة بعد الظهر.

أمينة عباس