ثقافة

“أغاني الحبّ” في مهرجان موسيقا الباروك في الأوبرا

فاجأتنا الأمسية الغنائية من مهرجان الباروك الذي أُقيم على مدى يومين على مسرح القاعة متعددة الاستعمالات بملامح غير مألوفة لهذه الموسيقا التي كان لها دور في الكنيسة، والتي تميّزت بالمؤلفات الموسيقية الطويلة، ونشأت عنها قوالب موسيقية مثل السوناتا والكونشيرتو، في الأمسية التي كانت بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان مع فرقة (مغنو دمشق للباروك)تعرّف الجمهور إلى مجموعة مقطوعات، فيها روح الشعر والحبّ ووصف الحياة الاجتماعية والشعبية في هذا العصر الذي بدأ في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وكانت بعيدة عن الأغنيات الكنسية، بُنيت على شكل الآريات والمادريجال -وهو نوع من الغناء الجماعي الذي تتخلله فواصل ورقصات وترافقه مجموعة آلات، وكان النواة الأولى للتشكيل الأوركسترالي-.

تأتي هذه الأمسية ضمن خطة مشروع الفرقة مع اختصاصيين زاروا سورية بإشراف د.نبيل الأسود لتقديم مقطوعات من موسيقا عصر الباروك، في ظل الأعمال والتجارب التي يقدمها الموسيقيون الأكاديميون، ويبقى هذا النوع من الأمسيات يأخذ الطابع التثقيفي والاطلاعي على عوالم الموسيقا العالمية إلى الجوانب الجمالية فيها.
الأمر اللافت انسجام الجمهور مع هذا الغناء الأوبرالي الذي تضمن في بعض المواضع ما يشبه المشهد التمثيلي الهزلي، وفي مواضع أخرى جسد مشهد شجار وخلاف.وبقي الحبّ هو القاسم المشترك بينها، ورغم غرابة المفردات إلا أن الموسيقا والأداء أوحيا بالمضمون، وحاول المايسترو باغبودريان تقريب الفكرة للجمهور من خلال فواصل قبل المقطوعة يتحدث فيها باقتضاب عنها.
المحور الأساسي في الأمسية كان لآلة الكلافيسان التي عزف عليها المايسترو باغبودريان والتي ارتبطت بعصر موسيقا الباروك وهي قليلة الظهور، تشبه البيانو بشكلها، ذات مفاتيح، لكنها آلة وترية تعتمد على نقر الوتر بريشة،فيصدر صوتها المعدني الذي يوحي ببريق موسيقي أخّاذ وتكون نغماتها أرق من نغمات البيانو،ترافقها بعض الآلات. وما ميّز الأمسية أيضاً الوشاح الملون الذي وضعه أعضاء الفرقة كعلامة تميّزها عن غيرها من الفرق.
قدمت الأمسية وفق برنامجها التصاعدي مجموعة لوحات إفرادية وثنائية وجماعية، في البداية أحسّ الجمهور بالغرابة لكن شيئاً فشيئاً اتضحت صورة الغناء في ذلك العصر،والذي يقوم في جانب منه على خاصية الحوارية التي يستهلها أحد المغنين بمقطع إفرادي، ثم يتناوبون بالغناء وفق المقاطع التي تسرد بعضها حكاية مثل مقطوعة الراعية وحوارية العشق بين شابين يقعان بحبها،بينما تأخذ الأخرى دور الشخوص المسرحية كحوار بين الأصوات، في مواضع تتابع، وفي مواضع تقلد وتكرر المقطع ذاته، لكن بإضافة زخرفة شخصية مثل الحوارية الأخيرة التي مثلت الحبّ والحرب.تغني الفرقة وفق تقنية تعدد الأصوات (لونا محمد ومنار خويص –سوبرانو، سناء بركات- آلتو، معتز عويتي وناجي حمور- تينور،ميخائيل تاطرس باريتون،منارنويز باص)، وفي كل مقطوعة تشترك الآلات المرافقة وفق طبيعة اللوحة، التشيللو(محمد نامق) ارتبطت مع الكلافيسان بعدة مقطوعات لإيجاد خط موسيقي معين ضمن بعد صوتي، وفي مقطوعة شعبية هزلية شكّل الغيتار (الكميت صالح) بمشاركة عازف الإيقاع سيمون مريش الآلة الإيقاعية تامبورين –آلة إسبانية- التي تشبه الدف في الإيقاعيات الشرقية شاع ظهورها في المناطق الشعبية في أوروبا مع الآلة الأساسية الكلافيسان بنية هذه اللوحة، في حين اشتركت الوتريات كمان أول رزان قصار وكمان ثان عامر داكشلي في مقطوعات ومع التشيللو أيضاً.

كوميديا باليه
قدمت الأمسية مقطوعات للمؤلف الأكثر شهرة في عصر الباروك مونتفردي،مادريجال من كتابه السابع كُتب لصوتين “أهناك أروع من قلب يحترق حباً” ومقطوعة تكونت من ثلاثة أصوات للمغنين مع صوت سوبرانو “نواح الحورية “،ومقطوعة من الكتاب الثامن للمادريجال” فليغني للحب القوس الحنون “كُتب لستة أصوات.
كما قدمت الأمسية مقطوعة للمؤلف “لوللي” مأخوذة من مسرحية البرجوازي النبيل، التي كتبها موليير وهي ساخرة”الكوميديا باليه” ولحن مقاطع منها لوللي، ومجموعة أغنيات وآريات للمؤلف ستيفانووهاندل ، لتنتهي الأمسية بمقطوعة من الأوبرا الهزلية السيدة الخادمة وكانت حوارية جماعية تداخلت فيها أصوات الحبّ والحرب.
ملده شويكاني