ثقافة

قراءة في كتاب “الإدارة والقيادة”

لم يقتصر الكاتب يوسف السلامة في كتابه “الإدارة والقيادة” على الأسلوب الدراسي الذي يعتمد المعرفة والدراية بنظم الإدارة، بل أضاف إلى ذلك كثيراً من رؤاه ونظرته الفلسفية والنفسية والثقافية في شعاب علم الإدارة لتطوير هذا المجال، وشمولها كثيراً من المزايا الإنسانية التي يجب أن يسخّرها الإنسان حتى يحقق عملاً ناجحاً في إدارته، فهو يذهب إلى ترتيب الزمان والمكان المناسبين في السلوك الإداري، ويرى أن الجو الهادئ من أهم العوامل المساعدة على التركيز والتفكير بعمق في الفكرة الواردة على الذهن أو لسابق تدوينها، معتبراً أن الإداري الناجح هو الذي يتحكم بوقته ويعرف كيف يدير هذا الوقت، فيجب عليه استثماره أو الاستفادة منه.

يرى د. السلامة في بحثه الإداري أن هناك أشخاصاً حب الإدارة والدراية بمقوماتها هو طاقة وموهبة تشبه المواهب الأخرى العلمية منها والأدبية وهؤلاء قد لا يحتاجون إلى دورات وقراءات إلا لتثقيف ذاكرتهم وشحذ ذهنهم، وهؤلاء يشكلون اثنين بالمئة فقط عندهم القيادة فطرية من أمثال القادة الذين ولدوا بالفطرة كخالد بن الوليد الذي لا زالت أساليبه الإدارية والقيادية علماً لا مثيل له، وإن الجانب النفسي والاجتماعي الذي سعى نحوه الباحث وجد من خلاله أن المرأة تتساوى مع الرجل في حق القيادة، والمرأة أيضاً تصلح للقيادة والمناصب بكافة مستوياتها حتى من الناحية الشرعية والتاريخ القديم، والواقع والعقل يثبت ذلك حيث استشهد بأمثلة متنوعة منها بلقيس في اليمن وشجرة الدر في مصر وأنديرا غاندي في الهند.
وفي الوقت عينه يشتغل السلامة على المحسوس المجرد في قدراته النفسية التي دفعته ليقرأ مجتمعاته ويسبر البنى النفسية والاجتماعية والتاريخية أيضاً ليجد أن هناك نسبة خمس وعشرون بالمئة من النساء أكثر إبداعاً من الرجل في كثير من المجالات وهذا ينقصه بعض الحزم في حسم الأمور.
وعبر اهتمامه بإدارة الموارد البشرية تشير دلالات القراءة إلى أن الكاتب عبر ولوجه في الحالات الحركية للمجتمعات، وجد أن إدارة الموارد البشرية تعتمد على السلطة الممنوحة لها وعلى توزيع الأنشطة في المنظمة ونوع الهيكل التنظيمي الذي يحدد مكان الإدارة وموقعها، وبهذا نجد أن د. السلامة يحاول أن يقنعنا بالتعليل العلمي للإلهام الذي يأتي بعد فترة التحضير المسبق نتيجة التفكير على مستوى سنوات ليست قليلة، ليصل إلى نتائج مرضية تتوافق مع التطلعات الإنسانية المتلائمة نفسياً وبنيوياً مع مختلف شرائح المجتمع.
وفي حركته المنهجية يربط الكاتب وفق إستراتيجية البحث الذاهبة لتحقيق طموح ما، يربط بين الماضي والحاضر ثم يسعى إلى إنجاز منظومات أخرى تعتمد على الفائدة من هذا الربط، والسعي إلى توطيد العلاقات الإنسانية في الحركة الإدارية بين الأفراد العاملين في إدارات مختلفة.
ولأن الكاتب اتجه إلى تكثيف التطلعات والاستطلاع في عالم المعرفة الإدارية، وجد تعدد المعارف الذي يفيد بتوجيه ما يصبو إليه إلى الأثر الفني الخلاّق والذي يجعل الإداري في طليعة المحترمين اجتماعياً كلما جسد طموح المثقف في علوم الإدارة ثم نرى أن كتاب “الإدارة والقيادة” لا يقتصر على فكر أو حال واحد فهو كتاب غني بتحولاته وتداعياته التي تسعى لتطوير علم الإدارة بأنواعه.
محمد خالد الخضر