ثقافة

“شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية” مشهدية روائية ضمن السرد التاريخي لجريمة الإبادة

يتقاطع كتاب “شهادات غربية عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية” للدكتور أرشاك بولاديان إلى حدّ ما مع كتابه “شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية في سرد بعض الأحداث التاريخية بمنحاها العام، ولم يكن كتابه شاهداً على التاريخ فقط وإنما كان جسراً يربط بين الماضي والحاضر فاختزل أحداث عام المئوية في سجل توثيقي للاعترافات الدولية بالإبادة، يتداخل مع الوقائع والأحداث التاريخية التي تزامنت مع المجازر العثمانية للأرمن وصولاً إلى الإبادة عام 1915. تميّز الكتاب بأسلوب التضمين الروائي في المحور الأساسي في فصل شهادات غربية،من حيث الامتداد الزمني والمفردات الأدبية والوصف السينمائي المشهدي لأحداث القتل وأساليب التعذيب والإهانات والهجوم على قوافل المهجّرين،إضافة إلى مراحل التعذيب التي عاشتها المرأة الأرمنية بانتقاء المؤلف المقاطع التي تحول النص المكتوب إلى مشهد مرئي في خيال القارئ.

عصابة قابضي الأرواح

استعرض المؤلف في القسم الأول من الكتاب المكانة الجغرافية والاقتصادية الهامة لأرمينيا التي كانت موضع أطماع العثمانيين، ثم بدأ منذ تاريخ انهيار الدولة الأرمنية على يد العثمانيين،وانضمام أرمينيا الغربية إلى الإمبراطورية العثمانية،بينما دخلت أرمينيا الشرقية إلى إيران وفق معاهدة “قصر شيرين”، ومرت بثلاث مراحل مرحلة السلطان عبد الحميد ثم مرحلة حكم حزب الاتحاد والترقي،ومرحلة حكم الكماليين (1919-1923). وأوضح المؤلف أن الأرمن لم يسعوا إلى الانفصال عن الإمبراطورية العثمانية، حتى يلقوا هذا المصير الحزين إذ طالبوا فقط بإجراء إصلاحات في الولايات الأرمنية الست التي تحت سيطرة العثمانيين، والمعروفة باسم أرمينيا الغربية، وتابع وفق التسلسل التاريخي المعاهدات التي تمت بين النخبة الأرمنية والقيادة الروسية من أجل مستقبل الأرمن. إزاء ذلك بدأ الرد من السلطان عبد الحميد من خلال عصابات القتل والتعذيب مثل عصابة “فرق قابضي الأرواح” وصولاً إلى مذبحة أضنة عام 1909. ومن ثم خطة الإبادة الأرمنية، وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الأنظمة التركية لمحو الشعب الأرمني إلا أن إرادة البقاء وإرثه الثقافي والحضاري دفعته لصياغة تاريخه من جديد فانتشرت الأجيال القادمة في دول الشتات.
انتظار العدالة
وقبل أن يبدأ المؤلف بالقسم الثاني من الكتاب مهد له في نهاية القسم الأول من خلال فصل القضية الأرمنية ضحية المصالح والسياسات الدولية،فبيّن بأن المكتبة الغربية تحتوي على مراسلات ومذكرات وتقارير وشهادات باللغة الإنكليزية والألمانية والفرنسية والروسية لشهود عيان من ضباط وعسكريين ودبلوماسيين عن تفاصيل الإبادة، ليتوصل إلى نتيجة الإنكار التام من قبل تركيا مع مصاحبة التهديد بقطع العلاقات مع الدول التي تتعاطف مع القضية الأرمنية، ومازال الأرمن ينتظرون أن تنتصر العدالة ويتم التوصل إلى حل سليم.

مشهدية سينمائية
في الفصل الثاني من الكتاب بدأ المؤلف بتحليل وتدوين مذكرات “هنري مورغناتا والسفير الأمريكي في تركيا، واتخذ أسلوب السرد الروائي في وصف الأحداث القاسية التي رافقت مراحل المجازر والتهجير باختيار الكاتب مقاطع مؤثرة من المذكرات التي وردت في كتاب مورغناتا “قتل أمه” كما ورد في أحد مقاطع التعذيب” كان الدرك يضربون ضحاياهم حتى الإغماء، كانوا ينزعون أظافرهم ويضعون الحديد المحمى على صدورهم” كما تضمنت المذكرات علاقة السفير مع الزعماء الأتراك ومناقشاته معهم من أجل الأرمن ومحاولتهم إخفاء الحقائق عن العالم. وألحق الكتاب بمختارات من بعض الكتابات التاريخية حول إبادة الأرمن عام 1915مثل كتابات الفيكونت جيمس برايس، وأرنولدج. توينبي، وفريديوف نانس، إضافة إلى الصور التوثيقية والوثائق.

استغلال الاختلافات
في القسم الأخير من الكتاب اختزل المؤلف عام المئوية من خلال التأريخ التوثيقي للاعترافات بالإبادة من قبل الدول والمنظمات والاتفاقيات، فألحق الكتاب ببعض كلمات الرؤساء، فبدأ بكلمة رئيس جمهورية أرمينيا سيرج ساركسيان الذي يؤكد فيها بأن الاعتراف بالإبادة الأرمنية هو انتصار ضمير الإنسانية والعدالة ضد التعصب والكراهية. وحذر البابا في كلمته من هذه الصراعات التي تتحول إلى عنف غير مبرر ينشط من خلال استغلال الاختلافات العرقية والدينية.
الكتاب صادر عن دار الشرق  ويقع في  325 صفحة من القطع الكبير.
ملده شويكاني