أوركسترا ماري.. مشهدية موسيقية تترجم حالات إنسانية معاشة
“حنين –ترقب-عاصفة – مطاردة – انتقام-صلاة” مفردات تصادفنا في حياتنا ونعيشها وفق تفاوت الفروقات الفردية، كانت حاضرة في أمسية أوركسترا ماري بقيادة مؤسسها المايسترو رعد خلف على مدى يومين على مسرح خشبة الأوبرا، ترجمتها ألحان الأوركسترا ضمن مشهدية تخيليّة أشركت الجمهور فيها لتجعله أسير الصورة البصرية المختفية وراء مستويات موسيقية متتالية وأبعاد صوتية ضمن إيقاع متسارع ومنخفض وفق النوتة الموسيقية التي ألّفها المايسترو خلف كموسيقا تصويرية لعدة أعمال درامية سينمائية مثل فيلم أمير البحار، وتلفزيونية مثل مسلسل حلاوة الروح والانفجار وحرب الجواسيس، أعاد توزيعها أوركسترالياً ضمن التشكيل الموسيقي لأوركسترا ماري الذي يتوافق مع متطلبات المادة الموسيقية التي تناسب الفكرة المعبّرة عن المضمون الإنساني الذي تعيشه الشخوص في حالة ما، ولم يركز خلف على خلفية مشهد موسيقي مرتبط بعمل معين وبشخوصه للإيحاء بالصورة البصرية له، وإنما ركز على إيصال رسالة موسيقية إلى المتلقي كي يتخيّل هذه الصورة كونه “المستمع المشاهد، وليس المشاهد المستمع”.
الملفت في هذه الأمسية هو الانتقالات بين الأصوات وفق التصاعد الدرامي للموسيقا، ومشاركة فرقة ” بيركومانيا بالآلات الإيقاعية التي استخدمت مؤثرات صوتية أضفت على الألحان أجواء معبّرة لرسم الصورة التخيليّة والإيحاء بالمعنى، وكان للبيانو حضور كبير في المقطوعات كألحان مرافقة حيناً،وليكون المحور الأساسي ويأخذ دور البطولة في مقطوعة “القصر القديم”. تميزت الأمسية أيضاً بفنية الإضاءة التي زادت من سحر الإيقاع اللحني. وبعيداً عن موسيقا الحضارات القديمة المستمدة من ممالك ماري وتدمر وأوغاريت نصف عازفات أوركسترا ماري تقريباً شاركنّ وفق التوزيع الموسيقي المطلوب لجميع الآلات المشاركة “كمانات –فيولا- تشيللو – كونترباص- فلوت-أوبوا-كلارنيت-باصون- هورن- ترومبيت-ترومبون-تيمباني- بيانو”.
انطباعات الجمهور كانت متقاربة في التعبير عن جمالية المقطوعات التي ألّفها خلف، وهي أكثر قرباً من العدد الأكبر من الجمهور الذي يميل إلى الموسيقا الحياتية القريبة من واقعه. لكن الملفت هو قدرة خلف على توظيف الآلات الإيقاعية وألحان البيانو التي وصل صوتها ربما إلى الجمهور بشكل أكبر، لكنها ضمن التأليف الموسيقي للمقطوعات التي ألفها خلف بإشراك جميع الآلات يختلف من مقطوعة إلى أخرى. المايسترو خلف الذي اشتُهر بالتأليف الموسيقي والبحث الموسيقي ومشروع العروض السمعية البصرية لطقوس الحضارات القديمة مضى بأوركسترا ماري أول أوركسترا سيمفونية نسائية في منطقة الشرق الأوسط والتي شغلت حيزاً على الصعيد العالمي لتتفرد بإيجاد معادلة بين التشكيل الموسيقي وأسلوب العزف.
مؤثرات صوتية
اختلفت الوتيرة اللحنية بين المقطوعات ففي مقطوعة “مطاردة” تصاعد الإيقاع الموسيقي مع الآلات الإيقاعية الدرامز-العازف ميشيل خياط- وكونغا وبنغز، وهي آلة من كوبا –العازف سيمون مريش – الذي استخدم مؤثرات صوتية “مصفقات- صافرة-فيبرا سلاب” وظّفت لتخدم الصورة البصرية مع جميع الآلات التي أخذت دورها وفق النوتة بناء على الألحان الأساسية والألحان المرافقة، بدا دورها الفعّال أيضاً في مقطوعة عاصفة التي أوحت بقراءات مختلفة للمتلقي، فربما تكون عاصفة تهز الذات، وربما تكون عاصفة لحالة عامة تعيشها شخوص العمل الدرامي، في حين اختلف المسار اللحني في مقطوعة صلاة لتأخذ الوتريات دورها في خلق مساحات من عوالم الصفاء الذي تعيشه الشخصية، وتتالت المقطوعات بطبيعتها الموسيقية مثل مقطوعة”ترقب” التي لم تشترك فيها الآلات الإيقاعية وكان البيانو فيها أقل حضوراً، إلى كارتون التي أخذت فيها الآلات الإيقاعية موضع “الإسكيتات” إلى التداخل الصوتي في انتقام.
مشاعر مختلطة
المحور الأساسي في الأمسية كان مقطوعة”القصر القديم” –بيانو منفرد للعازفة لين جناد وفق النوتة الموسيقية التي ألّفها المايسترو خلف، واستعرضت فيها جناد تقنيات هذه الآلة الإيقاعية – الوترية، التي تملك أبعاداً صوتية كبيرة وتغني عن أوركسترا كاملة بعزف صوتين في زمن واحد، إضافة إلى الفواصل الحادة والقاطعة في التعبير عن المشاعر المختلطة المضطربة التي يعيشها الإنسان ضمن برودة جدران القصر القديم وتداعي صور الذكريات بأركانه المنسية، وزادت انعكاسات الإضاءة للون الأصفر على آلة البيانو مع اللون الأحمر لخلفية الآلة، إضافة إلى المؤثرات الصوتية للآلات الإيقاعية من قدرة المتلقي على تخيّل الصورة البصرية للحالة، وقد أضفى حضور البيانو جمالية على جميع المقطوعات.
ملده شويكاني