يُطهّر العظماء.. ويحرّر المبدعين
سهيل الشعار
لا تنبع الأفكار الكبيرة, والرؤى العظيمة إلّا من قلوبٍ أشعلها الحب, ومن عقولٍ صقلتها التّجارب والمعرفة. إنّما وصول تلك الأفكار والرّؤى العظيمة إلينا, لا يحدث بالطريقة نفسها.
إن نور الشمس يصل إلينا في كل صباح بلطف وهدوء, مُحمّلاً بحرارة معتدلة وألوان قوس قزح جميلة, هادئ وصامتٌ يصل. لكن مَن منّا فكّر يوماً بما حدث ويحدث لذاك النور البعيد قبل وصوله إلى كوكبنا؟!.
ألا تحترق الشمس, ويحدث فوقها وفي داخلها انفجارات رهيبة, وثورات كبيرة قبل أن تُرسل لنا نورها؟!.
مَن فكّر منّا بوجع البذرة قبل أن تتحوّل إلى زهرة؟ والزّهرة إلى ثمرة, والموجة قبل انقلابها إلى عاصفة, والفحم قبل وصوله إلى مرحلة الجمر والضوء؟!. وهل تُضيء الشّمعة عتمة الليل دون أن تحترق؟.
إنّه الوجع المضيء. وجع المخاض قبل الولادة!. ووجع تحمّل الغيمة للبرق وأصوات الرعد قبل أن تمطر، ووجع احتمال النّهر العميق للقاذورات والنّفايات التي تُرمى على وجهه, أو يمرُّ فيها قبل وصوله إلى المحيط الواسع.
إن كثيراً من الحكماء والأدباء والمفكّرين والفلاسفة الكبار, لا يسعدون إلّا بقدر ما يتألّمون, فبالآلام تتطهّر نفوسهم, وتتخلّص أرواحهم من شوائب الحياة وأشواكها, كما يتخلّص الذهب ويتحرّر من شوائبه بعد وضعه في النار.
إن الألم يطهّر العظماء, ويحرّر المبدعين الكبار, بعكس اللّذة التي تخدّر الكثير من الناس العاديين.
إن أصحاب الفكر الحرّ والأقلام النّظيفة, تُعجبنا مسيرة حياتهم, وقد نتأّثّر بسهولة بفلسفتهم في الحياة, وكفاحهم من أجل مستقبل أفضل للإنسانية، وبالمقابل, ننسى عذابهم واحتراقهم المستمر في سبيل ذلك!.
لكلّ نبات وشجر جذر, لكن نادراً ما يُؤكل الجذر لأنه مرّ, وصعبٌ أن يُهضم الجذع لأنه قاس وصلب, ومع ذلك فإن الجذر والجذع – رغم مرارتهما – مفيدان جداً للأغصان والأوراق والبراعم والزهور التي تنمو في الضوء, فلولاهما لِما كانت الثّمار حلوة مفيدة! إذاً.. كل من الجذر والجذع مفيد لأولئك الذين ينمون ويحيون فوق سطح الأرض, وتحت نور الشمس, كذلك هي بعض أفكار المبدعين الحقيقيين, أفكارهم مرّة, حادّة المذاق, قاسية, وأحياناً صادمة, لكنها المرارة والحدّة والقسوة التي يعقبها الحلاوة والّليونة.
“إن في الأوجاع العظيمة قوة سحرية, فهي قد تُؤثّر فينا ضعف ما تُؤثّر الّلذة, وقد تمنحنا تلك الأوجاع نوعاً من يقظة الضّمير, وانطلاق الروح من قفصها, فلا شيء يُصيّر العظماء عظاماً, مثل الوجع العظيم, فإذا لم يكن الوجع مُطهّراً للإنسان من أي وباءٍ ومرض, فعبثاً يُطهّر الماء!!”.