ثقافة

المسرح في مواجهة التطرف الديني

لا يقتصر دور المسرح على الترفيه فقط، بل هو من أكثر الفنون مساهمة في التنمية, فهو أبو الفنون, لأنه لا يختصر الفنون فقط، بل يحتوي الحياة بتفاصيلها فنعيشها نابضة بكل تفاصيلها على خشبة المسرح، الذي يمثل  مدرسة وتاريخ للقيم فهو القادر على إيقاظ الوعي وتصحيح مسارات الخطابات المتطرفة. والمسرح منذ نشأته كان معلماً للشعوب ومظهراً من مظاهر تحضره. ولقد كان للمسرح دور كبير في مواجهة الفكر المتطرف.

من هنا تبرز الحاجة إلى هذا الدور البنّاء والفّعال، خاصة في ظل هذه الظروف الحرجة التي يمر بها الوطن العربي, فالحاجة ملحة في الوقت الحالي للاهتمام بالمسرح لمواجهة قوى التطرف الوهابي التكفيري, والعمل على خلق حالة من الوعي المسرحي لدى طلاب المدارس، وإقامة المهرجانات المسرحية التربوية والتعليمية الهادفة وتنشيطها لما لها من آثار تربوية إيجابية في محاربة الفكر الرجعي المتطرف والارتقاء بالذوق الأدبي والفني وتنمية الفكر والإبداع والعمل على توعية الأخلاقيات والمبادئ.
والتساؤل المطروح هو: كيف يمكن العمل على إقناع الشباب العربي بعدم الارتماء في أحضان الأفكار المتطرفة؟ وكيف يمكن تقديم بدائل ثقافية للشباب العربي في مواجهة التطرف؟.
الأيام تمضى, وتهوي نحو ظلام دامس, تغذيه نزعات متطرفة أصبحت تتلاعب بعقول شباب المنطقة وتروّضها، حتى تحولوا إلى آلات للقتل والتخريب وحلمهم الوحيد الذي يراودهم هو “إقامة الخلافة”, وهنا تبرز أهمية نشر لغة الانفتاح مقابل لغة التعصب, نشر لغة الإبداع في مواجهة لغة القتل, ونشر لغة الحوار التي تقارع لغة التكفير.
والمتتبع للوقائع, يلاحظ أنه لا يكاد يمر يوم إلا وينتشر خبر هجرة العشرات من الشباب من دول مختلفة نحو سورية للقتال مع تنظيم “داعش” الإرهابي تاركين أسراً لا تهتدي إلى جواب عن سبب هجرة أبنائهم نحو جحيم “داعش”. وهنا تبرز أهمية المسرح في عرض المسرحيات: تُشرّح نفسيات الشبان المتطرفين, وحالة الفصام التي يعيشونها بين تسليم عقلهم لخطاب ديني وهابي متطرف تكفيري، لا مكان فيه للمنطق والعقل, وبين قلوبهم التي تهفو للوصول إلى الخاص, وهو في حالته الموت، التي تعتبر مرحلة لانتقاله إلى الجنة التي وُعد بها وقضى وقتاً يحلم بأن يكون من سكانها حيث الحور العين.
لقد أصبح التفكير المتطرف يقتحم بيوت الأسر العربية, بل يخترق عقول صغارهم قبل كبارهم, وأصبح حاضراً في الحياة اليومية للمواطن العربي البسيط. فالمسرح يشير إلى ضرورة اليقظة والحذر لمواجهة التطرف المحدق بالمواطن العربي خاصة إذا ما علمنا أن قيم المسرح تقوم على حرية الرأي والحوار والجمال, في حين يعتمد التطرف على الرأي الواحد, فالمعادلة مختلفة بين المسرح والتطرف سواء من حيث المنهج والبعد القيمي ولهذا فقد ركز المسرح في مواجهته التطرف الديني على تنوير العقول والوصول إلى حالة من الاتزان الفكري والوجداني لقطاع كبير من الناس، خصوصاً في مجتمع البطالة والأمية, الذي يستخدم فيه التطرف  في الغالب لغة ذات طبيعة حادة, لها لون واحد, وهي لغة لا تعرف التنوع وتعدد الأصوات, بينما المسرح هو فضاء الأصوات الإنسانية على اختلاف مواقفها ومرجعياتها. فالخطاب المتطرف يسعى إلى تخدير العقول وتجميد التفكير عبر سكب الأفكار الجاهزة والنمطية في الجماهير, بينما من أولويات الفن المسرحي إطلاق العقول وآلية التفكير الجماهيرية إلى فضاءات المراجعة والنقد والتغيير والتجديد, وهو خلاف استراتيجي تنبني عليه توجهات مختلفة اختلاف النور والظلام، فالعقل المتطرف يميل إلى اجتزاء الأسطورة، فمن أسباب التطرف المثلية الثقافية، بمعنى أن الثقافة تقتات على نفسها من خلال انغلاقها على ذاتها.
ويمكن القول: إن مواجهة التطرف تتطلب بناء إستراتيجية تبدأ من البيت وصولاً إلى المدرسة والجامعات ومختلف قطاعات المجتمع، فالمسرح فعل جمالي مقاوم.

إبراهيم أحمد