في عشق السينما موسوعة سينما البُلْدان
في تقديمه لكتاب “موسوعة سينما البلدان” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب ما كان ممكناً لـ د.جمال شحيد الذي عُني بمراجعة هذا الكتاب الهام الذي يأخذ القارئ في جولة إلى سينما العالم، إلا أن يعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً للوقوف على بدايات ولادة فكرة هذا الكتاب، حينما اقترح عليه صديقه مهندس الالكترونيات نبيل الدبس خريج أكاديمتَي مونبلييه وباريس أن يستلّ من القاموس العالمي للسينما، الذي أصدرته دار لاروس في طبعته الثانية عام 2011 عدداً من الموضوعات، كي تكون السينما جزءاً لا يتجزأ من الخطة القومية للترجمة، فاختار شحيد “سينما البلدان” الذي أنجز الدبس ترجمته على أن يتم انجاز”التقنيات السينمائية ومرجعيات السينما” عما قريب.
مساهمة عربية موسوعية
يؤكد د.شحيد أنه بإنجاز هذين الكتابين تكون الهيئة العامة السورية للكتاب قد قدمت مساهمة عربية موسوعية عن السينما في العالم، تضاف إلى سلسلة “الفن السابع” النفيسة التي عكفت مؤسسة السينما التابعة لوزارة الثقافة على إصدارها، وقد تجاوز مجموع عناوينها 300 عنوان.
يتناول كتاب “موسوعة سينما البلدان” نشأة السينما وتطورها في أكثر من 80 بلداً في العالم، أي البلدان التي اهتمت بالسينما، ويحلل المراحل التي مرت بها السينما والمخرجون والممثلون وكتّاب السيناريو والمنتجون، التيارات السينمائية والمدارس التي عرفها هذا البلد أو ذاك.
أما كتاب “التقنيات والمرجعيات السينمائية” وكما جاء في تقديم د.شحيد فيتكلم عن شتى الوسائل التي استُعمِلَت منذ عهد الأخوين لوميير وحتى أيامنا هذه لنقل الصورة من مكان التصوير وإيصالها إلى شاشة العرض السينمائي، ويستعرض قسم المرجعيات أنشط الشركات والاستوديوهات والنوادي والمدن السينمائية والمهرجانات والجوائز التي تقدمها، بالإضافة إلى أهم المدارس والتيارات المعروفة، وإلى المجلات التي اهتمت وتهتم بهذا الفن الساحر، موضحاً شحيد أن تكليف الدبس بإنجاز ترجمة هذين الكتابين ليس بسبب اختصاصه في عالم الاتصالات بل بسبب شغفه بالسينما منذ عقود خلت، وهذا يعيد د.شحيد إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي التي شهدت تطور النادي السينمائي في دمشق الذي أسسه د.نجيب حداد عام 1952 وهو من أقدم النوادي السينمائية في العالم العربي، ثم انتقال النادي إلى هيئة جمعت عدداً من المخرجين والنقاد وعشاق السينما، وقد كان الدبس المنشط الأبرز في العروض السينمائية الأسبوعية التي كانت تتم في سينما الكندي أولاً ثم في قاعة النادي السينمائي، ويذكر شحيد أن النادي كان يحصل على الأفلام عن طريق مؤسسة السينما والملحقيات الثقافية للسفارات الأجنبية في دمشق، وكيف أن النقاشات التي كانت تدور بعد العرض كانت بمستوى عالٍ يثبت ثقافة واطلاع وتذوّق جمهور السينما الجادة في سورية، مشيراً إلى أن النادي قدم لجمهوره النخبوي أفلاماً مختارة من الموجة الجديدة في فرنسا لفرانسوا تروفو وكلود شابرول وجان لوك غودار وجان أوستاش، ومجموعة أفلام من الواقعية الإيطالية الجديدة مع سينمائييها الكبار ربيرتو روسيليني ولوتشينو فيسكونتي وبيير باولو بازوليني الذي زار النادي، بالإضافة إلى عدد من الأفلام الروسية الحديثة وسينما الانفتاح الأميركي وكذلك سينما المخرجين الأسبان واليابانيين مثل كينجي ميسوغوشي الذي يُعتبر أبا السينما اليابانية .
التلفزيون لم يقتل السينما
وينوه د.شحيد في تقديمه إلى جملة من الذكريات الجميلة التي عاشها عندما كان طالباً في الستينيات وأستاذاّ جامعياً في السبعينيات والثمانينيات، وقد استمر اهتمامه بالسينما عندما كان عضواً في اللجنة الفكرية لمؤسسة السينما في أواخر التسعينيات وعندما كلفته المنظمة العربية للترجمة بترجمة جديدة لكتابَي جيل دولوز “السينما الحركة” و”السينما الصورة” اللذين صدرا عامَي 2014 و2015 ذاكراً بأن جو صالات السينما الدمشقية في فترة الستينيات والسبعينيات السينمائية كان هادئاً ورصيناً وكان جمهور السينما ملتزماً بالمشاهدة والاستمتاع بجمالية الفيلم وتقنياته وليس بتزجية الوقت، واعتبار الصالة ذريعة للقاءات الحميمية وتناول الأطعمة مع الأصدقاء والخوض في أحاديث شتى لا علاقة لها بالصورة، وهذه المثالب برأي د.شحيد تتنافى مع جميع الأعراف السينمائية، في حين وباتجاه آخر يؤكد على أن التلفزيون وإن كان قد أثر سلباً على السينما، لاسيما بعد ظهور الشاشات المنزلية العملاقة، لكنه لم يقتل السينما بل تعاون معها على نقل الصور وخلق متعة الإبصار، منوهاً إلى أن السينما ماتت في البلدان هشة الثقافة، وبقيت حية في البلدان التي تدعمها وتشجعها، ولا غرابة في هذا الصدد أن نسمع بأن هذا الفيلم الذي نال عدداً من الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية، قد باعت شبابيك الصالات التي تعرضه ملايين البطاقات، وفي بعض البلدان المتخلفة سينمائياً لا يرتاد صالات السينما المتهالكة إلا الرعاع.
ويختم شحيد تقديمه لكتاب “موسوعة سينما البلدان” بالإشارة إلى حدثين سينمائيين حصلا في نهاية سبعينيات القرن الماضي كان أولهما مهرجان السينما والسياسة الذي استضاف عدداً من محرري مجلة “كراسات السينما” وعُرِضت أثناءه مجموعة من الأفلام السينمائية السورية، وثانيهما تنظيم النادي السينمائي مهرجاناً بعنوان “الفلاحون في سينما العالم الثالث” وقد جذب هذان المهرجانان عدداً كبيراً من المخرجين والمثقفين والصحفيين والمغرمين بالسينما الجادة، وبانفتاح السينما السورية على التجارب السينمائية العالمية.
“موسوعة سينما البلدان” ومن ثم “التقنيات والمرجعيات السينمائية” مرجعان لا يستغني عنهما باحث أو مطلع، وجاءت ترجمتهما بلغة سلسة ودقيقة أنجزها الدبس هاوي الفن السابع منذ شبابه.
الكتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب- تأليف مجموعة من الباحثين- يقع في 700 صفحة من القطع الكبير.
أمينة عباس