ثقافة

في السرفيس

نسيبة مطلق

رب الأسرة المتعب المنهك النائم في زاوية السرفيس ليكسب قليلاً من الراحة المشوبة بخضخضة تخلع المفاصل وروائح العادم الكريهة, والطالبة المنهمكة بقراءة كتاب ستقدم فيه امتحانها, ترى في القراءة للامتحان في السرفيس إشغال لها عما حولها, والسيدة المتوسطة العمر التي لا تكف عن الكتابة على الموبايل والحديث مع عائلتها, الكثير من الأمزجة يقودها سائق منعزل أمام مقوده وسط ضجيج المحرك وخضخضة السرفيس, حتى أني دائماً أتساءل كيف يسمع أصوات الركاب؟ كل الوجوه في السرفيس عبرتها الحرب, قد تجد نسمة لطيفة حيث يجلس عاشقان منهمكان بالحديث عن امتحان الجامعة الذي خاضوه صباحا, وتتراقص عيناهما فرحاً خلف ابتسامات خجولة رغم عدم اجتيازهما للامتحان بشكل جيد, ثم يذكر لها تحرشات الفتيات به وكيف أنه لا يعيرهن الانتباه, وبجانبهم تجد شابا” يكبر العاشق بسنوات قليلة يضع على رأسه قبعة, فلا تستطيع تبين وجهه جيداً وفي أذنيه سماعات موبايله يكتب فيه, ثم بعد ذلك يشرد بعيداً في الطريق لا يلتفت إلا عندما يكلمه من بجواره بكلمات قليلة مختصرة, فتلاحظ غمامة الهم والحزن المختفية تحت قبعته على وجهه, لتفاجأ عند تسليمه هويته لحاجز التفتيش أنه عسكري, وفي جسده الكثير من الرصاصات, لذلك عليه أن ينزل من السرفيس لكي لا يقوم بالتشويش على جهاز كشف المتفجرات, يسأله من يجلس بجواره منذ متى أنت عسكري؟ فيجيبه منذ ست سنين ونصف وأنا أعود بإجازة لبيتي بعد غياب ستة أشهر تقريبا, فيرد السائل بهدوء خجل: الله يحميكن, ويعود العسكري إلى نافذته يتأمل الطريق الذي تنهبه نافذة السرفيس نهباً, ويعود العاشق لمحادثة حبيبته ويعود الطفل الفضولي للضحك بعدما توقف وسأل أمه شو يعني رصاصات؟ عندما نزل العسكري من السرفيس نقل الولد عينيه بين أمه وبين العسكري الذي ينزل مستغرباً مما سمع, الطفل الذي يسأل عن كل شيء يحمل فضول الأربع سنوات هي عمره, يضحك ويثرثر ويسأل أمه بصوت عالٍ في السرفيس: أمي لماذا لم نركب في تلك السيارة تلك السيارة أجمل؟ أمي أريد أن أشرب.. أمي.. أمي والأم تسايره, لا ينتهي ضجيجه إلا عندما تبدأ ضجة خفيفة لتسديد أجرة الطريق، ويبدأ الجميع السؤال عن الفراطة وسط تذمر السائق، لكن في النهاية يتم تسديد أجرة الرحلة بطريقة أو بأخرى وسط تآمر الجميع للوصول إلى نهايتها بسلامة.