ثقافة

رحـيـل مـايـكـل هـيـر أشـهـر مـراسـلي حـرب فـيتنـام

يُحجم غالبية الكتاب والعارفين الذين خاضوا غمار الحروب بطريقة أو بأخرى عن الكشف بشكل علني “إلا بعد حين” عن الأهوال أو الفظائع التي شهدوها أو يعرفونها، الأمر يسري على الحروب جميعها؛ حيث لن يكون آخرها ما نشهده اليوم وليس أولها حرب فيتنام أو الحربين العالميتين، حيث الغموض مايزال يلف العديد من الملفات والأحداث التي جرت خلالها.
والحروب بكل أهوالها ومن أي وجهة ينظر إليها فهي بالنهاية لا تؤول إلا إلى ضحايا يقابلهم مجرمون، أغنياء يقابلهم فقراء حرب ودمار يتفاوت توزيعه على الأوطان والنفوس، لكنها وبكل تلك الأهوال شكلت على الدوام إغواءً  كبيراً للكثيرين يخوضون في وحولها وغياهب أحداثها، بغية الكشف أو المعرفة أو طلباً لشيءٍ من النضج القاسي الذي لا بد لنارها أن تنجح في القيام به، أو لارتباط وثيق بالتراب والأرض يتماهى فيه الأديب مع سواه كما ممدوح عدوان الذي دفعه الجرح الفلسطيني إلى العمل مراسلاً  حربياً مع فدائييه، ثم خلال حرب تشرين التي أحيت أرواحنا ووجدانه على السواء، بينما خاض غمار التجربة ذاتها حاصد الجوائز أرنست همنغواي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الأهلية الاسبانية؛ حروب انعكست من خلال أعماله الأدبية تجارب شخصية وحياتية حصد عليها العديد من الجوائز كنوبل للآداب وبوليتزر.
في كتابه “برقيات” يقول مايكل هير الصحفي الأمريكي الذي رحل مؤخراً عن 76 عاماً؛ ناقلاً الحرب بأقسى صورها: “لا يبعد أن تلقى حتفك مهروس العظام تحت المروحية المتهاوية إثر إصابتها، أو أن تصيبك رصاصة في إحدى الرئتين؛ وترحل وأنت تستمع إلى أنفاسك الأخيرة، أو أن تموت مصاباً بالملاريا بينما الضجيج لا يبارح أذنيك، بعد أشهر من الاشتباكات النارية والصاروخية”  و”برقيات” هي مذكرات المراسل الصحفي مايكل هير الذي تناول حرب فيتنام وتصدى للكشف عن أهوال وفظائع ربما انكفأ العديد عن مجرد ذكرها؛ وفي كتابه الذي نشره بعد انقضاء فترة النقاهة التي أمضاها في المشفى للتخلص من آثار أزمة نفسية ألمّت به نتيجة تجربته المريرة في الحرب الفظيعة، “الاكتئاب ألم بممدوح عدوان وهمنغواي على السواء” وبالطبع فالكتاب الذي لاقى الاستحسان والقبول الشديد من شرائح عديدة من المجتمع بما فيها أولئك المجندين الشبان الذي اشتركوا أو أُشركوا في الحرب دون وعي لما ستؤول إليه الأمور في النهاية، في المقابل قوبل بالرفض والتشكيك بمصداقيته من العديد من القوى السياسية والعسكرية التي انكشفت فضائحها وجرائمها من خلال القصص المروية في الكتاب.
يقول في واحدة من برقيات الكتاب يائساً من أن الحرب في النهاية تبتلع الأوطان: “كان الناطق الرسمي يبلغ المراسلين كيف أُبيد مقاتلو الفاتكونغ وأُحرقت غابتهم حتى باتت فحماً بلا دخان؛ وبعد شهر يظهر المقاتلون وهم أقوى من قبل” ثم يردف قائلاً: “لم يعد هناك وطن اسمه فيتنام؛ لقد صار مجرد حرب اسمها فيتنام”.
“هير” الذي خلّده عمله في تلك الحرب مراسلاً حربياً لصالح مجلة إسكواير “هل صدق ألبير لوندر حين قال يوماً أن هوميروس هو أمير كبار المراسلين الحربيين؟” لا بد أن تاريخ السينما سيذكره طويلاً لاقتران اسمه بفيلم القيامة الآن للمخرج العالمي فرانسيس كوبولا الذي كتب حكايته واعتمدت برقياته في أحداثها، بينما أعاد ترميم الفيلم فيما بعد بأن أُدخل صوته معلقاً بغية إيضاح الأحداث المربكة والشائكة فيه.
يذكر أن الفيلم شارك في مهرجان كان السينمائي وحصد سعفته الذهبية كما رشح لأوسكار أفضل سيناريو فيلم، أيضاً جائزة الغولدن غلوب والعديد من الجوائز والمهرجانات بينما ما زال يتصدر قائمة أهم الأفلام التي تم إنجازها في الخمس والعشرين عاماً الأخيرة.
بشرى الحكيم