بعد تجربة تاريخية طويلة.. حضور خجول للمخرجات السوريات
لا يمكن إنكار الدور البارز للمرأة السورية في الدفع قدماً بصناعة الدراما، سواء كان ذلك في التمثيل أو الكتابة أو حتى في مجال التجارب الإخراجية، التي وعلى الرغم من قلتها إلا أنها شهدت بروز بعض الأسماء الناجحة التي تركت بصمة في هذا المجال، وكانت “رويدا الجراح” أول من نقل الكاميرا خارج جدران الأستوديو في فيلمها التلفزيوني الدرامي “حكاية أرملة الجافل” في ثمانينيات القرن الماضي. والمرأة منذ زمن بعيد دخلت كل المهن، وإن كانت بعيدة عن حياتها، فالأمر يتعلق إجمالاً بميولها ورغبتها واندفاعها نحو عالم الإبداع، فهي قادرة أن تبدع في أي مهنة، حتى إن كانت طبيعتها قاسية أو تحتاج إلى ساعات طويلة من العمل المتواصل، فقوة شخصيتها ومجموعة مقومات خاصة بها تساعدها في هذا المنحى، ومن الواضح تماماً أن مسألة الإخراج لم يلحظ فيها أحد أي فرق بين رجل وامرأة، ولكن أين حضورها في الموسم الدرامي الحالي؟.
في الحقيقة، شكلت المرأة السورية المخرجة جزءاً مهماً من تاريخ الإنتاج الدرامي السوري، وخوض المرأة في عالم الإخراج التلفزيوني يأتي كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصرة، وهذا ما رأيناه في أعمال لمخرجات سوريات كان لهن بصمتهن الإخراجية بدءاً بأعمال هند ميداني وأنيسة عساف مروراً بغادة مردم بك ورويدة الجراح وصولاً للمخرجة رشا شربتجي صاحبة التاريخ الحافل في الإخراج.
ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه دائماً على الساحة الإخراجية السورية، هل استطاعت المرأة المخرجة المساهمة عبر الأعمال التي أخرجتها في إبراز قضايا المرأة؟ خاصة وأنه مُنحت الثقة لكثير من المخرجات، وتبنى التلفزيون السوري تجارب نسائية عديدة، وأعطاهن فرصاً مختلفة في مجال الإخراج التلفزيوني والمسرحي والسينمائي، فأثبتن جدارتهن. والمتمعن في المشهد الفني يدرك هذا الإبداع. وما بين ممثلات وكاتبات ومصممات أزياء وديكور، وقفت المخرجات السوريات خلف الكاميرا لإخراج أعمال جيدة يُعترف بها وبمكانتهن، فقد أبدعن فعلاً في إنتاج الصورة الحية من خلال أعمالهن المتقنة بفنيتها، والجريئة بموضوعاتها، وكانت المخرجة رشا شربتجي، التي تعد اليوم من أهم المخرجات على مستوى الدراما العربية، قد سبق لها وأخرجت عدة تجارب في الدراما المصرية، ولكن ما قدمته في الدراما السورية كان الأهم من الناحية البصرية ومن ناحية المضمون وجرأة الطرح، ومنها مسلسل “أشواك ناعمة” و”غزلان في غابة الذئاب” و”زمن العار”، ومؤخراً قدمت “سمرة”، وهذا تأكيد بسيط على أن المرأة إن أرادت العمل وملكت الرغبة والموهبة والثقافة تنجز، وتستطيع ترجمة إبداعها بجدارة، وكل ذلك يتعلق بالملكات الفردية، وليس بجنس الإنسان، وبما أن الإخراج مهنة ترتبط بالإبداع، فالفن والإبداع ليس لهما جنس، بل هما صفة إنسانية ملك لكل البشر، وتقييد الإبداع بجنس محدد أمر فيه الكثير من التجني والظلم. كل هذه الأمور جعلتنا ندرك ونتآلف تماماً مع مفهوم دارج أن يكون عمل درامي بأكمله من إخراج أنثى، وهو ما حققته المخرجة رشا شربتجي، ولكن بغيابها في موسم رمضان 2016، تكون قد تخلّت بشكل كلي عن الساحة الإخراجية لصالح الرجل، وتركتها حكراً عليه، رغم أن الواقع العملي –القديم- قد أتحفنا بنجمات نسائية في نفس المجال، فأين هن المبدعات السوريات من عالم الإخراج الدرامي اليوم؟
إن كان غياب المخرجات هو بسبب ظروف الحرب وهجرة الكثير من الفنانات منهن خارج البلاد، فهذا يستدعي تساؤلات عديدة حول ظهور جيل جديد من الفنانات الشابات، حيث شهدت سورية انطلاقة لمهرجان سينما الشباب بدوراته الثلاث، وكانت نتيجته ظهور العديد من الفنانات الواعدات على الساحة الفنية اللواتي لم يقتصر دورهن على تقديم أفلام تمر مرور الكرام فقط بل إنهن حملن على عاتقهن مسؤولية تقديم أفلام تحمل شكلاً ورؤية جديدة ومختلفة عن الأفلام السينمائية القصيرة السائدة، وبالفعل استطعن تقديم تجارب مميزة في ظل أزمة راهنة صعبة وقاسية، وكانت النتيجة حصول بعضهن على جوائز من المهرجان نفسه، كـ “ندين تحسين بك، وسندس برهوم.. وغيرهن”.
لقد ظل الحضور الإخراجي في مجال الدراما التلفزيونية نادراً بطريقة تثير التساؤلات، وبقيت الأحلام الإخراجية للشابات الطامحات ضمن إطار السينما، ويبقى السؤال رغم أن الأزمة أفرزت ظهور جيل جديد من “الشابات” يعملن على تقديم فن راق ومميز سواء في التمثيل أو الإخراج أو حتى في كتابة السيناريو، هل يمكننا القول أنهن قليلات الحظ حتى لم تعط لهن فرصة إخراج عمل درامي بسبب عدم قدرتهم على تقديم عمل طويل؟ أم أنهن وجدن أنفسهن في الأفلام القصيرة، ولا يمكن المغامرة بأكثر من هكذا خطوة؟!.
جُمان بركات