“الدراما السورية – آفاق وتحديات”.. نحو حوار سوري مفتوح
بعد فضائي “الآداب والحرب” و”دور المثقف في رسم السياسات الثقافية” وتزامناً مع انتهاء الموسم الدرامي لعام 2016 عقدت جمعية (عين الفنون) للثقافة لقاءها الثالث الخاص بالدراما السورية تحت عنوان “الدراما، تحديات وآفاق- هيئة التراث اللامادي في العفيف” حيث أشرف على الندوة وأدار الحوار لها الكاتب والناقد الصحفي سامر محمد إسماعيل؛ مستضيفاً كل من الكاتب (حسن م. يوسف) من سورية والمنتج والموزع (جمال دوبا) من لبنان.
الفضاء الثقافي لـ (عين الفنون) والذي يراكم بهدوء لقاءات قلقة وجدية مع نخبة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين، بدا هذه المرة منصباً على هموم الدراما كظاهرة تلفزيونية صعدت مع تسعينيات القرن الفائت، تزامناً مع فورة الفضائيات العربية، فهذه الظاهرة ومنذ انطلاقتها مع تأسيس التلفزيون العربي السوري عام 1960 تعرضت للكثير من الانحرافات عن كونها وسيلة لصياغة الرأي العام- كما قال (إسماعيل) في معرض تقديمه للقاء الذي حضره كوكبة من المخرجين والفنانين والنقاد والموسيقيين والأكاديميين، وحشد من الإعلاميين السوريين والعرب بحضور المدير العام لمؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ديانا جبور رئيسة الجمعية التي افتتحت اللقاء قائلة:
“إن هذه الندوات الثقافية نوع من رفض الاندحار, وشكل من أشكال تعزيز اللحمة التي تحمينا لأن المهدد في سورية نسيجها الاجتماعي, وعلينا أن نخرج من القوقعة الفردية, نتحدى ونلتقي ونتحاور حتى نحافظ على هذا النسيج المتباين, ولنؤسس معا حالة إبداع وخلق مبنية على الحوار الجماعي والرؤية الشاملة لا على رؤية فردية منغلقة”، أما بخصوص الفضاء الثقافي للجمعية فأضافت جبور: “هذا الفضاء خصصناه لمناقشة الدراما على اعتبارها إحدى الصناعات الوطنية المهمة والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة والمجتمع السوري”.
القضايا التي طرحها ضيوف الندوة تعلقت بهموم الدراما والحفاظ عليها، فقد طالب الكاتب حسن م يوسف بعقد ندوات تشاورية تتعلق بالأفكار التي تطرحها الأعمال الدرامية، مؤكداً على أهمية الخطاب الفكري في هذه الدراما، والتي اعتبرها كائناً حساساً وهشاً, مؤكداً على نهب الكنز الدرامي السوري, مطالباً بتعزيز جو الإبداع الجماعي, وضوابط لهذه الصناعة لحمايتها، لاسيما أنها تحوز على متابعة تسعين بالمائة حسب رأيه من الجمهور السوري.
ضيف الفضاء المنتج والموزع اللبناني جمال دوبا أكد بدوره على الانتباه إلى المنتج، دون إغفال أهمية السوق؛ معتبراً أن الحديث عن المنتج والمحتوى بدون السوق لن يكون هناك تسويق حقيقي للأعمال؛ كما طرح عدة نقاط أهمها دور الدراما مقابل السياسة, وكيف تشتت مكونات الدراما السورية، فالصوت السوري صار رهين الأعمال المُدبلجة؛ والصورة في القارات الخمس، ما اعتبره نهباً للكنز الفني الوطني, مستعرضاً ما طرحته الدراما منذ انطلاقتها بالأبيض والأسود واهتمامها بالقضايا الإنسانية والقضايا الكبرى والمصيرية والذي اعتبره “مُنتجاً تقدمياً سوقه رجعية في محطات الخليج العربي”.
طُرِح أيضاً في هذا الفضاء العراقيل والمشاكل والتحديات التي تعيق تقدم الدراما السورية من قبل محاضري الندوة والضيوف، وكان أبرز القضايا التي طرحت: البحث عن سوق بديل أو مرادف للسوق الحالي.
المايسترو طاهر مامللي قال: “نحتاج إلى دعم الدولة وسياسة ثقافية, حتى يكون لنا منتج فني جيد نستطيع أن ننافس به, فنحن نبحث عن اقتراحات وحلول, ولا يكفي طرح المشاكل بدءاً من تطوير ورفع التعرفة الخاصة بأجور الفنانين والفنيين، وصولاً إلى اختيار النص الجيد والمخرج الجيد” جازماً أن الدراما السورية استطاعت فرض نفسها على الوطن العربي بجهود ومبادرات شخصية.
بدوره المخرج علاء الدين كوكش عبّر عن استيائه من “المهرجان الرمضاني” أحد أسباب تقييد الدراما حسب رأيه, خاصة أن هناك سياسة تحتم عرض ثلاثين ساعة عرض تلفزيونية، بغض النظر عن الفكرة والموضوع, مضيفاً أن “هناك الكثير من الأفكار والمواضيع غير صالحة لعمل تلفزيوني من ثلاثين حلقة! حتى أنه في العقد الأخير باتت شركة الإنتاج ترفض أي عمل يقل عن ثلاثين حلقة, وهذا يأخذ فرص بعض القضايا من تجسيدها درامياً”.
المخرج الليث حجو تحدث حول “ضرورة مناقشة مشاكلنا والخروج بحلول, لا يكفي أن نطرح المشاكل فقط، منوّهاً إلى المؤتمر الذي أقامته وزارة الإعلام العام الفائت وضرورة متابعة توصيات هذا المؤتمر ومخرجاته”.
الناقد عماد نداف أشار بدوره إلى نجاح الدراما السورية، ونسب أسباب النجاح إلى اقترابها من قضايا المجتمع وقدرتها على تلبية حاجات الجمهور وطرح مشاكله ومعاناته, منبهاً إلى استغلال البعض قوة الدراما السورية لتسويق هوية جديدة غير الهوية السورية.
أما د. ميسون علي فطالبت بالانتباه إلى النصوص، لأن المشكلة الرئيسية تقع في النص، طالما هو اللبنة الأولى للعمل الدرامي أو المسرحي, وفي ضعف هذه اللبنة سوف ينهار العمل, كما طالبت بورش عمل لإنتاج نصوص تلفزيونية تحت رعاية كتّاب وأساتذة مختصين، كذلك طالب الفنان مصطفى الخاني بأكاديمية لتدريب المخرجين حتى نحمي هذه المهنة مما أطلق عليه “الأميّة الفنية” معتبراً أنه لتطوير أعمالنا والارتقاء بسويتها لا بد من الانتباه للعاملين في هذه المهنة ممن ليس لديهم خبرة، وضرورة خضوعهم لدراسة أكاديمية، أو حتى لـ (شيخ كار) كما كان يفعل البعض حين تتلمذوا على يد مخرجين قديرين.
الفنان عباس النوري اعتبر أن الأزمة الحقيقية أزمة ثقافية مع الواقع, وأننا رغم التاريخ العريق والتراث الضخم نفتقد إلى الكتّاب المطلعين على هذا التاريخ, إضافة إلى جهل المنتج السوري غير المثقف, مطالباً أن يسود التعاون حتى نستطيع التطور والارتقاء بمنتجنا للوقوف في وجه الطحالب التي تقتات على الفن من منتجين ومخرجين ووجوه غير قادرة على الإبداع, مؤكداً على قيمة الفن والفنان وتفوقه على السياسي “فما يجلبه السياسي بالخوف, يجلبه الفنان بالحب”.
تحديات كثيرة وطموحات أكبر, الجميع اتفق على أن الأعمال السيئة تسيء للمنتج السوري الحقيقي والجيد، ولا بد من تشديد الرقابة على الجودة والنوعية, البعض طالب كل من وزارة الثقافة ونقابة الفنانين بأخذ دورهما كمؤسسات, ومن العاملين في المجال الفني عدم إلغاء الآخر وفقاً لموقفه السياسي.
لؤي ماجد سلمان