ثقافة

رفقاً بالأحبة.. ع “غفلة بيروحوا”

لوردا فوزي
لم يكن يوماً للفرح، فهذا النهار جاء محملاً بالآلام، وسارقاً للأحبة، وأي أحبة!، بدأ كأي يوم اعتيادي آخر بأغنية فيروزية وبفنجان قهوة سادة، لكنه لم يختتم ساعاته الأخيرة بنفس السكينة، ولأن حياتنا تعج بالمشاغل ننسى الأحبة دوماً في يومنا العجول، إلى أن يأتي من ينذرنا بفقدانهم إلى الأبد، عندها تتسارع خطانا إليهم ونحمل عناقنا إلى أحضانهم متمنين ألا يكون العناق الأخير.. لكنه غالباً مايكون.
ولأنه ليس من المألوف أن يعبّر أحدنا عن حبه حتى لوالديه أو لأخوته أو أصدقائه، نعيش عمرنا بأكمله دون أن نخبر من أحببنا أننا نحبه، ودون أن يعلم حجم الحب المكنون بداخلنا له، وتمر أيام الحياة دون أن نمنح هذا الحب المخبّأ في قلوبنا حقه في البوح، لأننا شعب أتقن الصمت على مشاعره بامتياز، ولم يعتد أبداً أن تكون كلمة “أحبك” متداولة فهي كلمة نادرة الاستخدام ومحفوفة بالمخاطر! حتى لو كانت لأقرب الناس، فثقافة التعبير عن الحب للأسف غير مألوفة في مجتمعنا الذي نسي في زحمة البحث عن خبز يومه أن يعلمنا أن التعبير عن الحب يوازي الحب في الأهمية، وأن من حق أحبتنا علينا أن تصلهم رسائل إحساسنا، فكم من عزيز فارقنا دون أن تسنح لنا فرصة وداعه بكلمة حب.
ويا ليت الأمر يقف عند حدود دفن المشاعر، بل يتخطاه إلى اتهام من يبوح بها “بالضعف” ولاسيما إذا كان من يبوح بها شاب وليس فتاة، وكأنه من المحرمات أن يخبر الشاب أمه بحجم حبه وتعلقه بها، فإنه وإن فعل سيواجه بسيل لا نهاية له من الاتهامات تبدأ بالسخرية وتنتهي بإطلاق حكم “عدم الرجولة ” مما ينبئ بخلل واضح في عدة شؤون متعلقة بالتربية، ومع أن الأمر أقل مرونة مع الفتاة في التعبير عن مكنوناتها لذويها لأن المجتمع – وعلى غير العادة- سمح لها بذلك كونها عاطفية بفطرتها، إلا أن الاعتراف بالحب  لم يكتسب العفوية المطلوبة في مجتمعنا وما تزال القيود ترافقه، دون أن ننسى أن تأثير كبت المشاعر يمتد إلى الشخص المحب نفسه لما للكبت من آثار نفسية لا تخفى على أحد، فلما لا يكون الحب -وهو ألطف ما في الوجود- أمراً لا نخجل به بل نرفع الصوت معلنين عنه، وكذلك نرفع الرأس  مختالين ومزهوين لامتلاكنا أرقى المشاعر، ففي الوقت الذي نستمر فيه بالتستر على الحب وكأنه معصية ابتلينا بها غدا قتل الإنسان مفضوحاً، وأصبحت الجريمة علنية ومصدر تباهٍ وتبجح أمام أعين الجميع وبدون أي خجل!.
إن يوم الفراق الأخير غيّر أيامي المقبلة وجعلها ناقصة وأسس لغصة في القلب لعل وجعها الأكبر هو كما تغني فيروز أن “الأحبة ع غفلة بيروحوا ومابيعطوا خبر” فيؤلمنا انشغالنا عنهم وتقصيرنا في إظهار محبتنا لهم، لذا بوحوا بمشاعركم لمن تحبون، ونادوا به بكل فخر وبالصوت العالي، فإن ملكتم الفرصة اليوم قد تفقدونها في الغد.