أزمة النص الدرامي.. الوجود والإمكان
ربما تشي معظم النصوص الدرامية التي قدمتها دراما 2016، بأزمة على أكثر من صعيد لعل أبرزها على مستوى النص الدرامي والذي لا يفترض معه القول بأدبية تلك النصوص، أو بمحاولتها أن تكون أدباً فذلك ليس من شأنها على الأقل والسؤال المهم في هذا السياق إذا اطمأن الكتاب الدراميون إلى أن الصورة هي النتيجة القصوى لكتابتهم، فهل يُبرر النص في كتابته استسهالاً وتبسيطاً مخلاً في بعض المواضع رغبة في كتابة الواقع كما هو، لا برؤية مبدعة من شأنها أن تصنع واقعاً جديداً؟.
إن ما تجترحه النصوص الجيدة هو أنها تضيف إلى ثقافة المتلقي معرفة، بل وأسئلة جديدة تُنهض لديه حوافز التفكير بما يجري حوله، وبمعنى آخر ثمة حوارية مع الواقع لا لأجل إعادة إنتاجه مجدداً، بل من أجل أن يكون الواقع في الدراما هو ما يحاكي الرغبات والأحلام والمصائر بآن معاً، ولا عزاء لمن ذهبوا إلى النص المُترجم وهم يدركون بالآن ذاته خصوبة واقعنا الذي تمور به الأحداث والتفاصيل والحكايات الكثيفة لبشر مازالوا هنا ومازالت أصواتهم ترسم فضاءات الأمكنة والأزمنة ومازالوا يكابدون ويعانون، ولعلهم في دورة الموت والحياة وصيرورة الأحلام يتنفسون هواءهم الخاص، صحيح أن الهاجس الكبير والذي لم يبدُ في كل الأعمال بذلك الوضوح هو هاجس المصير والخلاص والقراءة الداخلية لما يجري بالتخفف قدر الإمكان من المباشرة لأجل غايات فنية درامية كان طاغياً على معظمها، لكن ما جدوى أن نقول يجري هناك ما يجري والعين هنا، ولا عزاء للنصوص التي تمارس ترفاً مقصوداً في ظل استحقاقات الوجود والهوية.
إن القول بدراما متطلبة ينطوي على الكثير من الدلالات وليس آخرها أن تكون الدراما من تُمثلنا حقيقة وليس مجازاً، وهذا ما يملي على كتّاب الدراما الموهوبون القبض على اللحظة وطزاجتها، وأن يغوصوا في مجمر الواقع ذاته لا أن يتكئوا على نصوص عابرة ومن ثقافات مختلفة بقصد أرضنتها، هذا إذ لم يكن النص الدرامي المحلي هو ذاته ما يشكل اغتراباً عن الواقع وبدرجات متفاوتة وعلى سبيل المثال لا نقصد اتكاء مسلسل الندم على رواية عتبة الألم، أو مسلسل أيام لا تُنسى عن رواية ألف شمس مشرقة، فهذان العملان يتبادلان مع الصورة قيماً مضافة لجهة القيمة الأدبية المتحققة، لكن أن تُأخذ أعمال وتحاكي ثقافة مختلفة، فذلك ضرب من مجازفة كبيرة، وواقع الحال يقول أن لدينا ما يلهم كتابنا، مازال الواقع ثرياً وهذا ما حاكته أعمال درامية مازالت ترمي بأسئلتها ومازال متلقيها يسائل ذاته عن معنى ما تضيفه إلى وعيه وإلى ثقافته وإلى شكل رؤيته لواقعه، فضلاً عن تلك المقولات التي حملتها الأعمال وعلى سبيل المثال أيضاً زوال الذي جاء في لغته الدرامية مربكاً بعض الشيء على الرغم من القيمة التي يتوسلها، أي الكشف وفي مسارات درامية مفتوحة ومغلقة بآن معاً.
والقصد هنا القول بأن اللغة الدرامية هي لغة مسؤولة، ليس بملفوظ شخصيات الأعمال وحدها، بل بما تجترحه من ثقافة جديدة يتوقف عليها انجاز التعبير أشكال الوعي والتفكير، وبالمقيبل ما هو المعادل الجمالي والواقعي لما يمر بنا من أحداث وجودية تستحق الكثير من المعالجة دون الوقوف عند المعالجات الدرامية المتسرعة، ولا يكتمل أنموذج العمل الدرامي دون مساءلته إذ إن تجاوز الخطوط الحمراء لا يعتبر قيمة بحد ذاته مالم يكن متعالقاً بما تنتجه الدراما بصورته الكلية وليس المجتزأة فقط، من أجل أن تكون الصورة الأخرى في منتجنا الدرامي أكثر مصداقية وأكثر تأثيراً في وعي الناس وفي رؤيتهم لا مجرد تفسيرهم لما حدث وسيحدث.
أحمد علي هلال