“رضا حسحس”.. هناك جمال فريد يمنح السعادة
غيّب الموت الفنان التشكيلي السوري رضا حسحس في ألمانيا، والفنان من مواليد حمص 1939عرف بخبرته الواسعة في مجال الفنون التشكيلية، يمتلك من الإمكانات التقنية ما يميزه عن بقية أقرانه الفنانين، فقد اشتغل على الجانب التقني طويلاً وقدم أكثر من معرض بمستويات تقنية مختلفة.. تتميز لوحته بعوالمها الصريحة في اللون المباشر وبدرجة قريبة إلى الوحشية، فهو الواقعي المحوّر حيناً والواقعي التسجيلي في جانب آخر، وفي فترة زمنية أخرى.
يمتلك حسحس الجرأة في رسم مساحات متلاصقة ومحددة بألوان قوية الحضور والتأثير، منتهياً إلى تصوير المنظر الطبيعي أو المشهد الخلوي بالأسلوبية الخاصة التي تشابه أسلوب هنري ماتيس، متنقلاً في تجريبه، متأثرا بتجارب الآخرين، يشغله قلق عميق متنقل بين روح وأخرى، وقد تجلى ذلك في تعدد شخصياته الفنية وتجددها وتأثرها بالتجارب الأخرى، وهذه الدلالة العالية على حساسية الفنان وعلى رغبته في الوصول إلى أبعد مما هو عليه من التمكن.
للراحل أفكاره في التصوير والفن التشكيلي عموماً، وهو الذي خَبِر وجرَّب أكثر من اتجاه فني، فقد عمل في السينما والتصميم الفني للسجاد، وأوفد في منحة لذات الغاية، لكن أفكاره الفلسفية ورؤاه الفنية كانت تتقدم معارضه من خلال البيانات التي يكتبها، ومنها قوله في تقديم أحد معارضه: “العمل الفني يُقرأ بصرياً لا كلامياً، والواقعية قتلت الفن ولوحتنا تعكس فقرنا الثقافي..”.
وفي تقديم آخر كتبه عام 1976 لمعرض أقامه في المركز الثقافي العربي: “إن الفن لا يستطيع أن ينمو في الفراغ غير الواقعي، والواقع بدوره لا يحتضن شيئا اسمه الجمال المحض، أو التشكيل لأجل التشكيل. إن الفن المثالي المضلل بمفاهيم النخبة والخالد والانتقائي والانتهازي، كان يسقط كلما واجهه من يعبر عن واقع ووعي ممن هم أصحاب المصلحة الحقيقية في تغيير بنى التاريخ، وعلاقاته الإنسانية نحو الأجمل”.
لكن يبقى ما كتبه فاتح المدرس مختلفاً كثيراً عما يكتبه الآخرون، فقد كتب في تقديم الفنان رضا حسحس ذات يوم: هناك جمال فريد يمنح “السعادة الثقافية ” للعيون إنه سحر خطوط قلم الرصاص للعيون العادية، وللعيون الحذرة في رؤيتها للأشياء المحيطة بها، تمتلك قدرة قوية حافظة لخصائص الأشياء التي نعيش فيها، وهي حولنا كل يوم.
إن معالجة رضا حسحس الرصينة لما تراه العيون السليمة في نفورها من المبالغات التي تدهش، وتلك التي تدعو للحيرة متحررة من شوائب المبالغة، قد أنجزت جمالا لا يخرجه للوجود إلا قلم الرصاص في تحركه الإنساني على الورق.
إن المميز النبيل لأعماله هو ما يدور حول تكريم هذا الأثر الإنساني، فالخطوط المرسومة والتكوينات أمينة جداً على عنصر البساطة، هذه البساطة المقدسة يدفع بها توق شديد لإيجاد علاقة بين البيئة والإحساس الجمالي بها. وقد حافظ الفنان حسحس على إحساسه كإنسان شرقي مغرم بالضوء ويحترم المفاهيم التي يمنحها الخط، ليبدو الجمال بسيطاً ويصل إلينا بأمانة..”.
نعم وصل الجمال بأمانة وتجلى في أعمال هذه الكوكبة الرائعة من أبناء هذه البلاد التي لا زالت تقاوم لأنها الجميلة والولّادة والتي تستحق الحياة.
أكسم طلاع