ثقافة

“مستمر لليلتين”.. سينما رومانسية بتقنيات معاصرة

العاصفة الثلجية الكثيفة غطت شوارع نيويورك بفضائها الثلجي ولم تستطع الجرافات أن تفعل شيئاً في ساعاتها الأولى، فتكرر صوت النداء في نشرات الأخبار”لا تغادروا منازلكم” مدة أربع وعشرين ساعة، في هذه الأجواء الباردة ماذا يحدث؟ هذا السؤال الذي كان مفتاحاً لأسئلة كثيرة تتعلق بالمحيط بالواقع بحياة الشباب ومشكلاتهم. كان المحور الأساسي لفيلم”مستمر لليلتين” الذي عُرض في الأيام الأخيرة من مهرجان أفلام حديثة جداً في دار الأوبرا، إذ أُغلق الباب الخارجي للمنزل بالثلج واضطرت ميغان للبقاء في منزل “إليك”، ليطرح السيناريو أثناء الإطار الأساسي للفيلم وهو العلاقة العاطفية الرومانسية بينهما الممتزجة بحبات الثلج التي تستمر بانهمارها وتطرق النافذة الصغيرة، ما الطموح؟ هل تحبّ عملك؟ هل تتوافق مع المحيطين بك؟ هل عملك يرتبط بدراستك الجامعية؟ ما تأثير البطالة على الشباب؟ إلى جيل الشباب الذي يتعامل مع النت الذي يعد بوابة عبور لتعرّف الفتيات والشباب من خلال مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، كما حدث مع “ميغان وإليك” لتفسير ارتباطهما الآني بعلاقة عابرة. لنصل إلى الحبّ الذي يغيّر حياتهم ويدفعهم نحو الأمام، إلى المفاجأة التي تحملها حبات الثلج في العاصفة التالية في نهاية الفيلم.

يشبه الحلم
الأمر اللافت في الفيلم هو الإخراج الرومانسي الذي أعادنا إلى كلاسيكيات السينما الرومانسية العاطفية التي تخللتها بعض المشاهد الجريئة التي لم تفقد رومانسيتها، وذلك من خلال التصوير في منزل “إليك” الصغير الذي شغل أغلب مشاهد الفيلم بما يشبه سينما “سيت كوم” بمشهد طويل ولقطة واحدة لتحركاتهما اليومية التي بدت طبيعية جداً، فتمكن المخرج –ماكس نيكولاس، سيناريو مارك هامر-من تحويل هذا المنزل الصغير إلى منتجع كبير يشبه الحلم. فاعتمد على الإضاءة الملونة الخافتة التي تضيء تارة وتختفي تارة مع المؤثرات الموسيقية والأغنيات الصارخة، ليوظّف قدرات الممثلة الشابة- أنالي تيبتون التي أدت دور ميغان – في تأدية فاصل راقص كفنّ بحدّ ذاته، لتنتقل الكاميرا داخل المشهد إلى أوضاعهما وهما يتناولان الطعام، يمارسان لعبة (البينبون) إلى مناقشاتهما في بعض المقالات المنشورة بالصحف، إلى متابعة نشرات الأخبار ودراستهما الجامعية ومن ثمّ أهمية العمل كقيمة إنسانية، وذكرياتهما مع أسرهما في ليلة الميلاد، ليقحم المخرج شيئاً من ملامح البعد الاجتماعي في المجتمع الأمريكي الذي يفتخر بعلاقات الزواج المستمر في ظل تفشي ظاهرة الطلاق، وتشتت الأبناء بين الأم والأب، وصولاً إلى الحدث الأبرز في الفيلم وهو حوار طويل يعتمد على المصارحة في ضوء علاقتهما الحميمية العابرة؟ ليبرز أمامنا سؤال حول أثر العلاقات العابرة في الحياة؟ وهل تكون في بعض الأحيان فرصة حقيقية للارتباط حينما يجد كل طرف ما يتمناه ويفقده في الطرف الآخر. ليتفرد الفيلم بقصة بسيطة ذات مضمون إنساني وبإخراج رومانسي لايخلو من مواقف كوميدية، ومن أداء متقن وعفوي للممثل الشاب مايلز تيلر الذي أدى دور “إليك”، والأجمل التصوير الفعلي في زمن العاصفة مما شدّ المتلقي إلى رومانسية الطبيعة ليوظّفها المخرج كعنصر جذب للفيلم.

تدفق المياه
تبدأ قصة الفيلم بمشاهد رتيبة ومملة، من لحظة يأس تعيشها ميغان التي فقدت عملها وخطيبها الذي قرر الانفصال عنها لأنه ليس لديها أيّ طموح، فتطالبها شريكتها في المنزل بتركه ليومين كي تستمتع بإجازة مع صديقها، فتراود ميغان فكرة التعرّف إلى أحد الشباب والبقاء في منزله ليلة واحدة ولكن بسبب العاصفة يتعذر خروجها من منزل “إليك”.
ركز المخرج على حادثة صغيرة كانت السبب المباشر في تصاعد الأحداث، إذ حدث عطل مفاجئ في المياه فتدفقت في المنزل، فيضطران إلى الخروج من الباب الخلفي ومواجهة العاصفة وكسر زجاج نافذة الشقة المجاورة لإحضار المكبس الذي أعاره “إليك” للجيران.
تحدث مفاجآت أغضبت ميغان وجعلتها تندم على هذه العلاقة العابرة، حينما تكتشف في منزل “إليك” خزانة ثياب نسائية وصورة ديزني حبيبته، ولم تنفع محاولات “إليك” بإقناعها بقراره الانفصال عنها.

العاصفة دون منزل
في المشاهد الأخيرة تعمّد المخرج إثارة المتلقي بمشاهد أكثر رومانسية لاسيما في المشهد الأخير، إذ تتصاعد الأحداث وتُصوّر مشاهد خارجية بعيداً عن المنزل الصغير في السجن، حينما يلقى القبض على ميغان لاقتحامها منزل الجيران، فيدفع “إليك” الكفالة ويخرجان معاً ويمشيان ببطء فوق الثلج المتراكم، في حين كانت حبات الثلج تهطل بغزارة وكأنها أيضاً على موعد عاطفي.
والمفارقة أنهما الآن مرتبطان عاطفياً بعدما وجد كل واحد منهما ما يتمناه في الآخر، لكن لا يوجد منزل صغير يحميهما من برودة الجو، إذ أخذت شريكة ميغان المنزل لأنها ستتزوج من صديقها، وترك “إليك” المنزل لحبيبته السابقة، ورغم ذلك كانا يمضيان تحت الثلج يبحثان عن مكان ولا يشعران بالبرد ولا بحبات الثلج التي تقبل وجهيهما.
ملده شويكاني