ثقافة

إيـاد حـنـا: مـشـروعـي تقديـم مـسـرح غنـائـي سـوري

رافق فعاليات مهرجان الموسيقا العربية بدورتيه السابقين، واليوم يستعد للمشاركة فيه للمرة الثالثة من خلال حفله الذي سيحييه بعد غد الأحد على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون.. وفي حواره مع “البعث” يؤكد الفنان إياد حنا أنه سعيد لهذه الفرصة التي تتاح له من جديد، خاصةً وأن المهرجان يضم باقة متميزة من الفنانين الذين سيقدمون كافة الأنماط الغنائية التي ستلبي كل الأذواق.

نشر الفن الراقي
يرى حنا أن مشاركته ووجوده بين هذه الباقة شرف كبير له، وهي المختارة بعناية وحرص، بالإضافة إلى سعادته بقدرة المهرجان عبر دورتيه السابقتين على تكوين جمهور واضح وصريح، موضحاً أن استمرار المهرجان سيساهم في نشر الفن الراقي لجمهور أصبح كبيراً، معتقداً أن وجود المهرجان قيمة بحد ذاتها بغضِّ النظر عن نتائجه، حيث يكفي أنه سيساهم في نشر ودعم الشباب السوري، وهو واحد منهم، فهو من خلاله أطلق معظم أغانيه مثل “يا جدّي، نسمات بلادي.. الخ” وهي أغان ملتزمة ساهم المهرجان في انتشارها في ظل عدم قيام بعض الإذاعات الخاصة ببثها، ولا يخفي حنا أن وجود المهرجان يحفزه دائماً لتقديم ما هو أفضل.

برنامج الحفل
بعد تقديمه لأغنيات وطنية مباشرة تحكي عن الوطن والأرض سيقدم حنا خلال الحفل أغنيتين غزليتين جديدتين تنتميان للغزل الملتزم الراقي، إحداها من تلحين الراحل عصام رجي وقد تنازلت عنها عائلته لحنا وهي “حطّي شرط” والثانية “ما أروعو” كلمات عصام جنيد ألحان سعيد هزيم، موضحاً حنا أن الغزل فيهما عذريّ بعيد عن شهوات الجسد والإباحية التي تلجأ إليها الكثير من الأغاني الحالية، مؤكداً أن أغنياته ليست ردّاً على هذه الموجة وإنما هذا ما يتعاطاه بالموسيقا بشكل عام، وينفي هنا أن طريقته في الغناء لا تجعله خارج السرب ويكفيه حضور 500 شخص في حفله يتعاطون مع الكلمة السليمة واللحن الراقي، فالشهرة لا تعنيه لأن وجود مليون معجب لديه بذائقة فنية هابطة أمر لا يعنيه، ولو كان هذا الأمر هو ما يريده فيمكنه تحقيق ذلك من خلال أغنية هابطة واحدة.. من هنا هو لا يغرّد خارج السرب بل داخله لأنه يقدم الفن الحقيقي والكلمة الراقية، وهو المؤمن بأن الحكم في النهاية للجمهور، وأن ما يعنيه بالدرجة الأولى هو أن يتوجه للإنسان المثقف والقارئ وللفلاح الذي يحس بكلمته ويتأثر فيها.
كما سيقدم حنا في الحفل مجموعة من الأغاني المعروفة كـ “أغار من قلبي” لمحمد عبد الوهاب و”ليلية بترجع يا ليل” لفيروز و”سهرية حب” كاملة بمشاركة ميراي ماركيليان، بالإضافة إلى أغنياته المعروفة مثل “يا جدّي” و”نسمات بلادي” ليختم الحفل بأغنية “المجد معمرها” وذلك بمرافقة فرقة المايسترو نواف هلال.

الاعتذار مرفوض
وعن جولته في أوروبا مؤخراً ومشاركته في الحفلات التي قدمتها فرقة أوركسترا الموسيقيين السوريين يشير حنا إلى أن هذه الفرقة قام بتأسيسها الفنان عصام رافع وهي تضم أغلب خريجي المعهد العالي للموسيقا، وقد شاركتْ في العديد من المهرجانات هناك مثل روسكيلد وبريستول، أما النتائج التي حصدتها هذه الفرقة فهي نشر اسم سورية من خلال الفن الراقي بعد الذي حدث لسورية وأبنائها، والسعادة كانت كبيرة لأعضاء الفرقة لتفاعل وتواصل الجمهور الأوروبي معها ولما قدمته من تراث شامي، ولعلّ أهم النتائج التي حققتها هذه المشاركة برأيه تكمن في نشر الفن السوري الحقيقي وتصحيح صورة الفنان السوري والمساهمة في إظهار الوجه الراقي للإنسان السوري بشكل عام، موضحاً حنا أنه من الضروري إفساح المجال لفرقنا الموسيقيّة للمشاركة في المهرجانات العربية والدولية، وهذه المسؤوليّة تقع على عاتق قادة الأوركسترا والفرق الذين يجب أن يتواصلوا بشكل دائم مع هذه المهرجانات، ومن أكبر الأخطاء برأيه الاعتذار عن عدم المشاركة فيها، منوهاً إلى أننا يجب أن نعرف قيمة الموسيقا والرسالة التي من الممكن أن تحملها.

لا أقلد وديع الصافي
وعن تأثره بوديع الصافي والعلاقة التي كانت تربطه به يوضح قائلاً: “إن كان ما أقدمه يشبه ما كان يقدمه وديع الصافي فإن لذلك أسباباً متعددة، لعلّ أهمها أن الطبيعة في الساحل السوري والمنطقة الغربية متشابهة بجبالها وطبيعتها من عكا حتى مرسين (قبل سايكس بيكو) مبيناً أن أبناء تلك المنطقة جميعاً يغنّون العتابا والميجنا، وهو نمط من الغناء ارتبط بالبيئة والجغرافيا، لذلك هناك عدد كبير يشبهون وديع الصافي في هذه المناطق”.. من هنا فإن حنا لا يقلّد أحداً، والصافي مدرسة كبيرة بالمواويل والإحساس، وهو قدّم البيئة مع الرحابنة بشكل صحيح.. من هنا لا يزعجه القول بأنه متأثر بالصافي، وله الشرف في أن يقال أنه يغنّي مثله، مشيراً إلى أنه التقى به في بداياته، وقد نصحه يومذاك بأن يلازمه العود، ومن يومها لا يفارقه، كما لم ينس العديد من الملاحظات التي ما زال يحاول الالتزام بها.

عتابا وغناء أوبرالي
وما بين غنائه للعتابا والميجنا والغناء الأوبرالي الذي درسه في المعهد العالي للموسيقا يقول حنا: “أغنّي الغناء الأوبرالي بحكم دراستي الأكاديمية الكلاسيكية، فطبيعة صوتي ومساحته وإمكانياته أهّلتني لدراسة هذا النوع من الغناء، وقد أفادتني هذه الدراسة كثيراً على صعيد قوة الصوت واللفظ الواضح، حيث تقنيات الغناء الأوبرالي تساعد الفنان على الغناء بثبات ووقت أطول.
ولا ينفي حنا أن وسائل الاتصال الاجتماعي ساعدته كثيراً في نشر أغنياته الخاصة، خاصة وأنه لا يميل لإصدار ألبومات تحتاج بالأصل لشركة إنتاج، ولهذا يلجأ إلى إطلاق أغنياته في الحفلات التي يقيمها عادة على مسرح دار الأوبرا أو من خلال تسجيلها وإرسالها إلى الإذاعات لبثّها، ويرى حنا أن وسائل الاتصال مناسبة للتعريف بالفنان والأعمال التي يقدمها.

يحيا الحب
وعلى الرغم من أنه قطع شوطاً لا بأس به في عالم الموسيقا والغناء إلا أن الكثير من طموحاته ما زال على المدى البعيد، وتتعلّق بحلمه في وجود معهد موسيقي في كل منطقة ليتاح للجميع أن يتعلم الموسيقا لأن من يتعلم الموسيقا لن يكون إلا مواطناً صالحاً محبّاً ومحافظاً على وطنه، وهنا يؤكد أن الإمكانيات لتحقيق هذا الحلم موجودة، أما على الصعيد الشخصي فحلم حنا كان وما يزال تقديم مسرح غنائي سوري واضح المعالم، مبيناً أنه حاول أن يقدم تجربته في هذا المجال من خلال عمل “يحيا الحب” وكان من المفترض تقديمه عام 2014 إلا أن ظروفاً عديدةً حالت دون ذلك، ليبقى المشروع قائماً بالنسبة له، ويأسف حنا أن تجارب عديدة قُدمت في هذا المجال ولم تلق النجاح المطلوب، والدليل أن لا أحد يتذكرها ولا يتذكر أغنية من أغنياتها، في حين أن العديد من أغاني فيروز ووديع الصافي التي نكاد نسمعها يومياً هي من مسرحيات غنائية، وبالتالي يؤمن حنا أن نجاح مسرحية من المسرحيات الغنائية مرتبط بالنجاح الذي تحققه أغنياتها ومدى قدرتها على أن تبقى في ذاكرة الناس، وهذا لا يحدث برأيه إلا إذا كانت تتناول قضية سامية ولديها قدرة على التأثير في الجمهور، منوهاً حنا إلى أن أسباب تعثر هذا النوع من الغناء سببه أننا نفتقد لوجود مؤلفين للمسرح الغنائي، إضافة إلى قلّة الملحنين ذوي الهوية الواضحة والجملة اللحنية الخاصة.

دعم الأغنية السورية
وينبّه حنا من الوضع الحالي للأغنية، مطالباً بدعم الأغنية السورية الراقية لرفع ذائقة الجمهور، ونشر الكلمة والفن الراقي في ظل تهافت المحطات على كل ما هو هابط، تحقيقاً للربح السريع الذي فتح الأبواب لأعمال موسيقية وغنائية ودرامية مشوِّهة للذوق العام، وهي في قسم منها أمر مقصود يدخل في صلب الحرب التي تُشن على سورية لأن أي فن في العالم إما أن ينهض بالشعب أو يساهم في تخلّفه، مؤكداً أن الجمهور السوري لديه استعداد لتقبّل أي نوع من الموسيقا، وبالتالي فإن المشكلة تكمن في الجهة التي تصدر هذا الفن.
وكونه مدرِّساً في الموسيقا في عدة معاهد موسيقية للأطفال يرى حنا أن مستقبل هؤلاء مرتبط بقدرة المسؤولين على وضع الشخص المناسب في مكانه المناسب، وهذا برأيه نادراً ما يتحقق دون أن ينفي وجود مسؤولين شرفاء يساعدون في نشر الفن السليم على حساب وقتهم وصحتهم، ولتهيئة بيئة مناسبة لهؤلاء الأطفال يجب برأيه إحداث معاهد موسيقية وتوفير أساتذة، وهم كثر ولا يحتاجون إلا لدعم وتشجيع وتقدير جهودهم بدلاً من إزعاجهم والسعي لتهجيرهم وتطفيشهم.
أمينة عباس