“الرجل الذي يضحك” حشد من التقنيات المتفوقة على الأدب
فيكتور هوغو “1802-1885” من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية، والذي حولت رواياته لروعتها ونبلها لأفلام الأطفال، الروائي الذي دفن في مقبرة العظماء، ووضعت صورته على الفرنك الفرنسي، كتب هذه الرواية في سنواته الأخيرة في المنفى ولم تلاقِ الشهرة التي لاقتها رواياته السابقة “البؤساء” و”أحدب نوتردام”.
هذه الرواية تكشف المجتمع الملكي الإنكليزي، وتضعنا وجها لوجه مع الملكة، اللوردات، الدوقات، وملكيات وصلاحيات كل منهم حسب القانون حينذاك، بينما يكون بطل الرواية ليس من قاع المجتمع بل أدنى، هو مهرج جرى تشويهه على يد “الكومبرا شيكوس” يوما ليصبح فاغر الفم ضاحكا على الدوام، بينما هو في الحقيقة أحد اللوردات.
كل فصل في الرواية يعرف بإحدى شخصيات القصة أو أحد ظروفها، في البداية يقدم “أورسوس” الشخصية التي سترعى الطفل الضاحك بعدما تم التخلي عنه، وملكيات اللوردات في فصل على حدة، والسفينة “الهوركة البيسكية” وطاقمها والتي تخلت عن الطفل على أحد الشواطئ في يوم عاصفة مميتة.
ميزة هذه الرواية، أن كل شخصية كتب عنها الكاتب وتوسع في سماتها وخلفياتها تصلح لأن تكون بمفردها رواية، مثلا “أورسوس، الملكة آنا، الدوقة جوزيان، ديا، وباركفيلدرو” إن شخصية باركفيلدرو وحدها “رجل البلاط” الحاسد، من أجمل الشخصيات التي جاء بها الأدب، فإذا كانت هذه الشخصية الثانوية فصل قائم بحد ذاته فيه من الفلسفة وعلم النفس الكثير، فكم هي غنية وقيّمة هذه الرواية.
استهلك هذا العمل من عمر الكاتب عامين، ويبدو ذلك واضحا، فيفرد معلوماته بدقة وحرص وأمانة حول كل تفصيل ولو أطال حتى يعود إلى قصة الشخصية البطلة، ورغم ذلك لاتفقد الرواية عنصر التشويق في أي صفحة أو سطر ولا عند أي شخصية، ولكأنه جلس يكتب لنفسه وليس للعالم، وببطء شديد حتى لا يفلت منه تفصيل صغير ولا معلومة علمية مهما كانت دقيقة، بل إن الكاتب يدخلنا في كل فصل من فصولها إلى عالم كامل لم نسمع به من قبل، فيضعنا في منتصف زوبعة العاصفة الثلجية، وفي منتصف البحر داخل إعصار، وعلى سفينة صغيرة هاربة مع قوم يدعون “الكومبرا شيكوس” متخصصين بنوع فظيع من الأعمال: خطف الأطفال وتشويههم والاتجار بهم، والذين بعد أن يعرفنا بهم نكتشف بأنهم أخطر من القراصنة، ويضعنا في قصور ملكية كلوردات، وعلى خشبة مسرح كمهرجين، ويجعلنا نعيش قمة الوحدة وقمة العماء، إن هذا الكاتب خارق للطبيعة في تقديمه وسرده البسيط لهذه العوالم، إن من يقرأ “الرجل الذي يضحك” ينتهي وقد حمل معه أسفارا وتجارب وعوالم ومشاعر لم تكن لتخطر له على بال، سيبدأ بها شخص وينتهي شخص آخر، لأنه اكتسب معرفة.
إن النهاية المأساوية للرواية بموت أو انتحار بطل القصة بعد موت حبيبته العمياء، وبعد أن أصبح لوردا وقال لا في وجه اللوردات مدافعا عن القاع الذي عاش فيه وعن جميع فقراء انكلترا، تجعل الرواية ضمن الأدب التراجيدي، وقد تأتي مأساويتها وسوداويتها من الظروف التي عاشها الكاتب في أواخر حياته منفيا، وقد يكون موت البطل حتميا بسبب تقيد الكاتب بالحبكة المسندة إلى شخصيات تاريخية ومجتمع ملكي حقيقي له قوانين صارمة، وقد تكون كما جاء في مقدمة الكتاب انتصار للروح على المادية البحتة التي تقتلها.
أخيرا هناك مشاهد جمالية في الوصف يهيئ للقارئ أنه يراها كرسوم كرتونية لشدة إبداع هذا الكاتب الرسام.
“الرجل الذي يضحك” رواية لفيكتور هوغو، تقع في 940 صفحة، ترجمة زياد العودة.
حلا خيربك