ثقافة

وضاح رجب باشا محاضراً في ثقافي دمشق: محمــد عبــد الكريــم أضــاف مقــام ماريومــا إلى موســيقانا

يكفينا فخراً أن محمد عبد الوهاب قال عن أمير البزق المؤلف والعازف والملحن السوري محمد عبد الكريم: “إذا كانت الموسيقا الأوروبية تفتخر ببيكه نين أفضل عازف كمان، فإن الموسيقا الشرقية تفتخر بعبد الكريم كأفضل عازف للبزق” لتخيم أصداء تقاسيمه من مختلف المقامات الشرقية الطربية على أجواء المحاضرة التي ألقاها الباحث وضاح رجب باشا مؤخراً في ثقافي أبي رمانة، والتي خرج فيها عن التقليدية بسرد حياته والتوقف عند المنعطفات الهامة التي غيّرت مسار حياته وجعلته عازف البزق الأول في العالم، ليخصص المساحة الأكبر لتحليل عبقريته في رفع مستوى هذه الآلة الشعبية والمتواضعة إلى مصاف الآلات الراقية، موضحاً الخصائص الموسيقية التي أضافها إليها وتوظيفها في ألحانه بمرافقة آلة الرق لنجاح سلام وسعاد محمد والكثير من المطربين الفلسطينيين والعرب كخلفية لحنية، وكذلك في شارات الإذاعات العربية. والأمر الهام أن إبداعه الموسيقي لم يقتصر على  التأليف والعزف والتلحين وإنما أضاف مقاماً جديداً إلى موسيقانا مقام”ماريوما”.

آلة ناقصة
وحلل الباحث التطور الموسيقي الذي أضافه عبد الكريم إلى موسيقانا الشرقية من خلال آلة البزق التي تختلف تقنية العزف عليها عن تقنية أية آلة أخرى لوجود أربعة أوتار فقط،وكل وترين مشدودين بتردد صوتي واحد، بعد أن أضاف عبد الكريم وترين ولاحظ أنها لاتتجاوب مع الآلات الموسيقية الموجودة في المحافل الموسيقية، لعدم قدرتها على تقديم جميع درجات السلم الموسيقي.

نحاسات
ونتيجة ثقافته الموسيقية الواسعة أضاف إليها نحاسات على الزند الطويل على مبدأ الغيتار، وصلت إلى 38 على زندها الذي يتميز بطوله ويصل إلى 75سم،مما مكّن هذه الآلة من تأدية جميع الجمل اللحنية وعزف كامل الدرجات الموسيقية باستثناء درجات قليلة ربما خمس درجات فقط والوصول إلى الأوكتافات المطلوبة، واستطاع عبد الكريم أن يجعلها في مصاف آلة العود، وتبدو براعة عبد الكريم –كما أوضح الباحث- بانسيابية ريشته على الأوتار بيده اللينة لتعبّر عن إحساس الأوتار المشدودة إلى الزند الطويل مما مكّنه من التغلب على صوت الخنة لطول الوتر.

إبداعاته اللحنية
ثم انتقل المحاضر إلى مجال التلحين ففي البداية لحن لنفسه عدة أغنيات غناها منها، “ليه الدلال وأنت حبيبي” ومن أشهر ألحانه  للمطربة نجاح سلام أغنيتها الشهيرة”رقة حسنك وجمالك” محللاً جملها اللحنية المتصفة بالحركة النشطة في المقدمة والتغير اللحني ليصبح أكثر رقة للتعبير عن الحسن والجمال والدلال. كما لحن لسعاد محمد “محتارة ياناس” وتوقف عند تجربته اللحنية مع المطربين الفلسطينيين، منهم فهد نجار ومحمد الغازي، ماري عكاوي وبعد موتها أعطى أحد ألحانها إلى فايزة أحمد لتبدع في غناء”جارتي ليلى”، وفي مجال التأليف أشاد الباحث بجمال مقطوعاته الموسيقية التي ألّفها، وبلغت عشرين مقطوعة منها: رقصة الشيطان ومداعبات الصباح ومارش تحية العرب.

البزق والطنبور
ومن الأمور الهامة التي تحدث عنها المحاضر أيضاً أوجه الشبه الكثيرة بين البزق والطنبور التي كانت وما زالت الآلة الأساسية للمجتمعات الكردية وتعطي روح الحياة الأممية للأكراد شارحاً الخلافات بينهما، بينما جمعت البزق بين روح الموسيقا المتمدنة والموسيقا الشعبية المتداولة خارج المدن.

العرب الرحل والبزق
وأورد المحاضر معلومة لا يعرفها كثيرون، أن قصة عبد الكريم –الذي ولد عام 1911مرحلة النهضة الموسيقية – مع البزق تعود إلى بيئته وطفولته فهو ينتمي إلى العرب الرحل”الغجر”، والده كان عازف البزق ووالدته عمشة كانت راقصة ومغنية في هذه الأجواء الشعبية والمتنقلة بين الأطراف، وبعد وفاة والده وهو في العاشرة قدم مع والدته إلى دمشق. فقدمه فخري البارودي للمجتمع الدمشقي وكانت بداياته في مقهى النوفرة للمشاركة بمسرح خيال الظل مع (أبو شاكر)، ثم انضم إلى فرقة دمشق ليتعلم أصول الموسيقا الشرقية والغربية،وتابع تعليمه في حلب ثم سافر إلى القاهرة وتعرف إلى أقطاب الموسيقا العربية محمد قصبجي وداود حسني ومحمد عبد الوهاب، وأقام عدة حفلات وبعد هذه المرحلة سافر إلى ألمانيا عام 1927لتسجيل أسطوانات.وتبعتها جولاته الأوروبية، وأحيا حفلات في فرنسا أذهلت الفرنسيين، وفي إيطاليا نال إعجابهم خاصة حينما عزف لحنين شعبيين لمدينة نابولي.

التدوين الموسيقي
أما عن إنجازاته فأشار المحاضر إلى أنه عمل عازفاً بإذاعة القدس وتولى إدارتها،وعند افتتاح إذاعة الشرق الأدنى في يافا وضع شارتها وشكّل فرقتها، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سافر إلى لندن وعاد إلى القدس ليتعلم التدوين الموسيقي على يد يوسف بتروني، ليعود إلى دمشق ويمارس نشاطه في إذاعة دمشق بعد أن قدم شارتها ، وكان من الأوائل الذين احتفلوا بعيد الجلاء، وعاش حياة متواضعة إلى أن مات في مشفى الهلال الأحمر في عام 1989.
ونوّه الباحث إلى جهود وزارة الثقافة بجمع أعماله ب(12) سي دي، وتأليف كتيبين عن حياة هذا المبدع السوري الذي لم يأخذ حقه كما يستحق.
ملده شويكاني