حلـــم “إبليـــس”
على صفحته الشخصية؛ أعلن الفنان عن انسحابه من المشاركة في حفل فني كبير سيقام في مدينة برلين: “عرّفنا منظمو الحفلة على شريكَيْنا في العزف غي براونستاين وأوحاد بي آري، وقد قيل لنا وقتها أن أحدهما أميركي والآخر ألماني”. وتابع موضحاً؛ أنّه بعد انتشار خبر الحفلة، وصله تنبيه حول أنّ هذين العازفين يحملان الجنسية الإسرائيلية، لا بل إنّهما ولدا وعاشا في الأراضي المحتلة: “وهذا ما تم التأكد منه؛ فانتابنا شعور بشرك قد نصب لنا كسوريين، وهو أن نتشارك العزف مع إسردائيليين من دون علمنا. وبناءً على هذه الخدعة الرخيصة التي قد يتعرّض لها كل سوري قررنا الانسحاب الفوري من الحفل”.
أولاً ليس بغريب على دولة تبحث عن وسيلة” بالخيط والإبرة ” لبداية تطبيع مع أصحاب الحق، أن تلجا إلى الخدعة للظهور بمظهر الظافر بما تبتغيه، وثانياً لم يعد بخافٍ على أحد أن كل تلك المهرجانات والمؤتمرات إنما تحمل في خلفياتها ما يخدم مصالح رعاتها بالدرجة الأولى.
أمام جميع أفرادها ومن على منبر الأمم المتحدة؛ أعلن نتنياهو بزهو المنتصر: “يجب أن أؤكد لكم ـ لأول مرة في حياتي ـ أن هناك دولاً كثيرة أخرى في المنطقة باتت تعترف بأن إسرائيل ليست عدواً لها. إنها تعترف بأن إسرائيل هي حليفتها”.
وإسرائيل التي لا تتوقف عن الترويج لنفسها ولعدالتها في كل محفل يتيحه لها تواطؤ البعض؛ وغباء البعض الآخر؛ تقدم نفسها على أنها دولة السلام المنشود التي لا تتردد في مد يد العون لأبناء جاراتها “العدوّة” سواء بمداواة الجراح وإصابات المعارك أو يد التعاون الفني والثقافي الذي يقدمها دولة حضارية مفتوحة على الآخر؛ ما يعطيه الجرأة والدافع ليقول: “إذا كانت هناك قضية واحدة لن أتفاوض حولها أبداً فما هي إلا قضية حقنا في وجود الدولة اليهودية الواحدة الوحيدة”. أليس هو المراد “هذا إن بقيت تلك حدوده، وهي أبعد من هذا بكثير”.
إلى متى يصدّق البعض ممن يتزاحمون سواء في السر والعلن لمد اليد، أن الذئب سيغدو حملاً بمجرد أن ارتدى جلده!.
ألا يزال يلتبس على البعض معنى “العدو” أو أنه مازال على هذه الأرض من لم يحسم “مسألة الوطن” فيساهم بغبائه أو من خلال أنانيته الفردية؛ في تقطيع أوصاله، وتقسيمه، فيفصّله على قياسه، حتى ليكاد يدوس على حقيقته المجتمعية والحضارية والثقافية؛ في سبيل تحقيق إنجاز فردي؛ عبر إضاعة البوصلة التي تأبى إلا أن تتجه إلى عدو وحيد وإن تعددت أسماءه.
وهل فكر جيداً؛ المشاركون في احتفالات ونشاطات تحت غطاء مهرجان فني ثقافي؛ بينما هي في حقيقة الأمر ليست سوى مؤتمرات تبحث مواربة عن وسيلة لمد جسور التواصل مع العدو؛ وإن عبر مثقفين، علها تكون بذرة تعاون عجزت عن إنجازه السياسة فاستعاضت عنه عبر الفنون والثقافة؛ وأفخاخ مدروسة تنصب للرافضين من دون سابق علم.
لعل الحديث يغدو مكرراً، ويصبح مملاً في نظر البعض، لكن قراءة ما بين دهاليز المؤتمرات وكواليس الحفلات؛ تعلن عن نفسها من خلال الحوارات والنقاشات التي ستدور بين المشاركين من فنانين ومنتجين ومخرجين سينمائيين، وإعلاميين، مع ناشطين وفنانين إسرائيليين لا يُدارون تطلعاتهم “أحدهم نال شهرته من خلال حلمه وحنينه إلى المثال الإسرائيلي النقي” وهو حلم لا بد أن تتم قراءته بالخط الأحمر العريض.
بعض الجرح يحلو الحديث عنه “مواربة” ويحتاج بعضه الآخر أن تضع عليه الإصبع حتى بلوغ الألم” وسواء شاركت فيه الأسماء المطروحة من السوريين أم لم يشاركوا يبقى المهرجان المعنون باسم “رؤية 2020، سياسة ثقافية تتخطى الحدود: مقاربة عربية أوروبية” ليس سوى واجهة لضغوطات ثقافية، تستهدف في مجملها سقوطاً مرسوماً لنا، عبر هيمنة تفوق في خطورتها كلّ هيمنة مادية، لا يبذّها سوى فعل مقاومتها، ورفض كل المحاولات التي تبغي تحقيق حلم “إبليس” بالتطبيع.
بشرى الحكيم