ثقافة

“ظل”يجمع بين الموسيقا والرقص في أول تجربة من نوعها في سورية

لم يأتِ النجاح الكبير الذي حققه عرض “ظل” والذي قُدِّم مساء أمس على مسرح المركز الوطني للفنون البصرية وليد اللحظة وهو الذي كان نتيجة حتمية وتتويجاً لتعاون وشراكة إبداعية حقيقية للفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله وتجمع “anima” ودعم المركز الوطني للفنون البصرية والرغبة المشتركة في تقديم تجربة جديدة من نوعها في سورية تجمع ما بين لغتين عالميتين ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما.
موسيقا بصرية
وتفادياً للآراء السريعة والانطباعات الآنية التي قد يخرج بها الجمهور من هكذا تجربة بعد حضوره مباشرة، كان من الضروري أن نعود  إلى بدايات الولادة.
يوضح المايسترو عدنان فتح الله في تصريحه لـ “البعث” أن “ظل” عرض موسيقيّ راقص وقد أريد له أن يكون كذلك لخصوصية المكان الذي قُدِّم فيه وهو مسرح المركز الوطني للفنون البصرية، الذي سبق وأن أحيت الفرقة على مسرحه الكبير حفلات أخرى تميزت بخصوصيتها، مشيراً إلى أن حفلة الأمس كانت موسيقية بصرية بواسطة الرقص الذي قُدِّم بتقنية خيال الظل، من خلال راقصي تجمع “anima” الذين عبروا عن فحوى هذه الموسيقا خلف شاشة، ووفقاً لتقنيات إضافية أخرى، مبيناً أن الموسيقا التي استخدِمت أُلفت وعُزفت من قبل موسيقيين أكاديميين محترفين، بعضها من تأليف فتح الله مثل “هكذا كانت” و”لحظات” وبعضها من تأليف محمد عثمان “الموؤودة” وكمال سكيكر “سحر الشرق” التي اعتمدتها الفرقة ليقوم مصمم الرقص ومؤسس التجمع محمد شباط بتصميم الرقصات وتدريب الراقصين بناء عليها، مؤكداً فتح الله أن هكذا تجربة جديدة لم يسبق أن أُنجزت في سورية من قبل أحد، وهي تجربة استهلكت وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً لرغبة كل الشركاء في إنجازها بشكل مختلف وجديد، فرغم كل الظروف التي يعيشها الجميع في سورية لم يكن الخيار تقديم ما هو تقليدي ومعتاد، ولذلك كانت إدارة المركز الوطني للفنون البصرية مصرة على تقديم عمل يجمع ما هو سمعي وبصري، ومن هنا أتت لقاءات فتح الله بشباط بحثاً عن أفكار جديدة، إلى أن تم التوصل إلى اعتماد تقنية خيال الظل لتقديم ما هو مختلف، بحيث يسمع الجمهور الموسيقا التي تعزفها الفرقة مقرونة بحركات صممت بطريقة مدروسة وبعناية كبيرة وفقاً للجملة والبناء الموسيقي للقطع الموسيقية التي تعزفها الفرقة، موضحاً فتح الله أن الموسيقا الآلية تتميز بمرونتها، وبالتالي تقع على عاتق المصمم مهمة الفهم الحقيقي لها بقدرته على التعبير عنها عبر حركات الرقص، وهذا ما نجح به شباط برأيه، من خلال تجمعه في ترجمته الحركية للموسيقا التي قدمتها الفرقة حيث فهم شباط عبر تصميمه وبشكل جيد الموسيقا وهذا أمر ليس سهلاً، خاصة وأنها موسيقا جديدة لا تعتمد الأعمال الموسيقية المعروفة والمتداولة، وهو ما عملت على تقديمه الفرقة عبر جميع حفلاتها، بهدف التأسيس لأرشيف موسيقي سوري يمكن تطويره مستقبلاً من قبل الجيل الجديد.
الموسيقا مع الرقص
ويؤكد فتح الله أن الخطوة الأولى في عرض “ظل” كانت من خلال التأكيد على اقتران الموسيقا برقص معاصر وفكر جديد ورؤية جديدة، موضحاً أن الموسيقا كانت أولاً وتصميم الرقصات كان ثانياً، حين قام شباط بترجمة هذه الموسيقا عبر تشكيلات راقصة متنوعة، أما على صعيد الجديد الذي قدمته الفرقة تقنياً فقد أشار فتح الله إلى أن الفرقة الوطنية ومنذ عام 2013 حين أخذت حفلاتها صفة الدورية في دار الأسد للثقافة والفنون، والفرقة تؤسس لوحدها نمطاً موسيقياً يقوم على إدخال التعددية اللحنية على الموسيقا، وهي المبنية أساساً على خط واضح، لذلك وفي كل حفل للفرقة تقدم تجربة جديدة من الناحية التقنية على صعيد الكتابة والبناء والتنفيذ الموسيقي، منوهاً في الوقت ذاته إلى التطور الكبير الذي طرأ على الفرقة منذ العام 2013 من خلال الانسجام الكبير بين أعضائها، والذي ولّد نتائج قيّمة للموسيقا كانت نتيجة وجود مبدعين فيها يقدمون في كل مرة رؤى مختلفة وجديدة، مع إصرار الفرقة على إعادة تقديم بعض الأعمال لترسيخها في أذهان الجمهور، خاصة وأن العديد منها على أهميته غير مسجل كما حدث في حفل أمس من خلال مقطوعات مثل “سحر الشرق” و”الموءودة.
ويختم فتح الله  كلامه موضحاً أن برنامج الحفل قُسم لقسمين: موسيقا آلية قدمتها الفرقة من خلال خمسة أعمال وأخرى رافقها الرقص، لتكون هذه الخطوة الأولى  مستقبلاً بانجاز عروض كاملة موسيقية راقصة، وعبر حكاية وموسيقا تؤلّف خصيصاً، شاكراً في الوقت نفسه وزارة الثقافة والمركز الوطني للفنون البصرية ودار الأسد للثقافة والفنون التي تحتضن الفرقة ضمن حفلاتها الدورية، التي يشارك فيها شباب سوريون يقدمون أعمالاً موسيقية سورية بامتياز وتساهم في إغناء حياتنا الثقافية والموسيقية بتجارب إبداعية جديدة.
ترجمة الموسيقا
ويشكر محمد شباط دعوة المايسترو عدنان فتح الله الذي احتضن مشروعه ودعاه لتنفيذه بالتعاون مع المركز الوطني للفنون البصرية الذي دعم المشروع، موضحاً أن anima”” تجمّع تأسس منذ شهرين فقط وهو يضم مجموعة من الراقصين الأكاديميين القادرين على تأدية مختلف أنواع الرقص، والذين يمتلكون تقنيات عالية قادرين من خلالها على تقديم كافة أنواع الرقص.. وبعد الاجتماع معه تم الاتفاق على إنجاز ما هو جديد من خلال خيال الظل، مشيراً إلى أن هذا الفن موجود عبر كركوز وعيواظ بالمشاهد الصامتة التقليدية وكانت الفكرة لديهما بتطويره عبر التقنيات التي يمتلكها الراقصون، لترجمة الموسيقا التي قدمتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية، والتي توافقت مع ما ترمي إليه الموسيقا، منوهاً إلى أن الأمر لم يكن سهلاً، خاصة على صعيد كيفية تنفيذ تقنية خيال الظل الذي تم بمساعدة الخبير التقني أدهم سفر.
خطوة أولى
ويؤكد شباط أن عرض “ظل” ما هو إلا خطوة أولى لتعامل مشترك بين الرقص والموسيقا، وكان عبارة عن مجموعة من اللوحات المتصلة ببعضها والتي تحكي عن لحظات من حياة المواطن السوري التي يعيشها يومياً، سواء على صعيد الحب أو على صعيد التفاصيل اليومية التي بات يعيشها في ظل الظروف الصعبة المستجدة عليه، وقد تم التعبير عنها بأنواع متعددة من الرقصات التي خلط فيها شباط ما هو غربي بما هو شرقي للخروج بهوية سورية، مستفيداً من تقنيات الرقص الغربي كالباليه بتقديم رقصات شرقية سورية الهوى، ولم يخفِ شباط تخوفه من هكذا تجريب قام به، إلا أنه شخصياً راضٍ كل الرضا عن النتيجة التي تم التوصل إليها، وهو بانتظار ردود الفعل وكل الانتقادات التي يمكن الاستفادة منها لتطوير مشروعه في هذا المجال، معترفاً أن ما أقدم عليه مغامرة خاضعة للتطوير وهو لم يزعم أنه قدم منجزاً متكاملاً، بل مشروعاً خاضعاً للحوار والنقاش، وهذا ما يبحث عنه بشكل أساسي عبر عرض راقص يمكن أن يصل للجمهور بشكل صحيح، وعبر الموسيقا التي تم الاعتياد على سماعها بعيداً عن الصورة البصرية، مبيناً أن الصيغة النهائية للعرض لم ترَ النور إلا بعد نقاش طويل مع المايسترو فتح الله وأعضاء فرقته، حيث أن كل طرف قدم وجهة نظره إلى أن تم الخروج بوجهة نظر ثالثة مقبولة عند الجمهور.
Anima
وعن تجمعه يقول شباط أنه يضم فنانين أكاديميين وهو ليس للهواة، وسيعمل على تقديم كل الأعمال بطريقة معاصرة للخروج بهوية جديدة، وهو لن يقتصر على الرقص بل سيتعدى ذلك إلى التمثيل والموسيقا والغناء، وفي الأيام القادمة سيستقدم مدرسين لتقوية مهارات الراقصين ليكونوا حاضرين بقوة عند تنفيذ أية فكرة، في حين أن الهدف الأساسي للتجمّع يكمن في تطوير مهارات الشباب السوريين، ولنثبت للعالم أننا موجودون وقادرون على العمل والعطاء.. من هنا من المقرر أن تكون عروض التجمّع في أماكن مختلفة ومحاولة الذهاب إلى الجمهور أينما كان خدمةً للرسالة التي يحملها هذا التجمّع، والتي في مقدمة أهدافها إدخال الفرح والسعادة إلى قلوب الجمهور السوري الذي أنهكته الظروف ليستمد طاقة إيجابية تساعده في حياته.
ويختم شباط كلامه مؤكداً أنه لا يعتب على من ابتعد عن تمويل المشاريع الموسيقية والفنية شاكراً جهات عديدة دعمته وشجعته واحتضنته مثل المركز الوطني للفنون البصرية والمايسترو فتح الله الذي كان له الفضل في أن يرى “ظل” النور ودار الأسد للثقافة والفنون وأفراداً كانوا سنداً حقيقياً وداعمين عمليين للمشروع مثل الياس عيسى وأدهم سفر وصلاح العسلي ونضال قسوم وديمة خيربيك الذين قدموا مساعدات بأشكال مختلفة كان لها الفضل في إنجاز مشروعه.
أمينة عباس