ثقافة

تغني للحب والوطن.. لارا عليان: الشام غيمتنا إن عطشنا.. وقمح إن شكا الجار

ليس خياراً سهلاً بالتأكيد لصاحب كل موهبة فذة أن يكون فناناً ملتزماً، بل لربما هذه الكلمة تثير الرعب في قلوب العديد من أصحاب المواهب الغنائية والموسيقية، الذين يفضلون الذهاب إلى خشبات برامج فنية تحكمها مؤسسات اتصالات عملاقة، إلا أن لارا عليان الفنانة الفلسطينية صاحبة الصوت العذب والرقيق، ما هكذا هتف قلبها، فالحب لما مُنحته من حبال صوتية تؤرجح الطرب حتى في الكؤوس المترعة، هو ما بادلته لصوتها والاحترام كان عراب هذه الثقة وهذه الألفة.

الفن النوعي له جمهوره.
> يقال إنك فنانة ملتزمة ما المقصود بالفن الملتزم وهل مازال هذا الفن قائماً؟
>> يوجد اختلاف على تسمية الفن الملتزم، فالبعض يعتبر النشيد الديني هو الفن الملتزم، والبعض يعتبر أن الغناء الوطني هو فقط الملتزم، باعتقادي الشخصي أن الغناء المرتبط بالواقع، والذي يعكس قضايا المجتمع وهمومه، ويعبر عن تطلعاته الوطنية والقومية والاجتماعية، ويسلط الضوء على أمور مهمة يريد الفنان إيصالها للجمهور بأسلوب فني جميل، هو الفن الملتزم.
تاريخياً كان الغناء مرتبطاً بطبيعة وبيئة كل منطقة، وبالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فنجده في نماذج عديدة يتحدث عن الحب والجمال والبساطة والعفوية في الحياة، يتحدث عن الغربة والوطن، الحرب والاحتلال، وكان هناك أيضاً غناء شعبي مرتبط بالرقصات الشعبية لكل منطقة.
أنا أفضل غناء الكلمة الجميلة المرتبطة بواقعنا العربي بكل تفاصيله ومشكلاته فأغني للوحدة العربية التي أحلم بتحقيقها، وأؤكد على رفض التدخل الأجنبي لبلادنا، أغني للفقراء والعدالة الاجتماعية، أغني للأمل، أغني للحب والمشاعر النبيلة الصادقة، أغني للمقاومة التي أؤمن بها للتخلص من الاحتلال الصهيوني والامبريالي، أغني تراثنا العربي الغني، أغني لفلسطين قضيتنا المركزية، مع التركيز على الكلمة الجميلة واللحن المختلف والمميز وطبعاً جمالية الأداء، أنا أؤمن بهذا الفن وهذا هو التزامي ومسؤوليتي. وأؤكد أن هذا الفن النوعي الذي يركز على المضمون موجود، وله جمهوره النوعي الذي لازال يؤمن بهذا الفن ويدعمه.
> ماهي أهم الصعوبات التي تواجه الفنان الملتزم والفن الراقي في هذا الزمن؟
>> صعوبات كثيرة تواجه الفنان الملتزم، فنحن نسير عكس التيار، نقاوم للاستمرار بجهود ذاتية، وبدعم دائم من الأسرة والأصدقاء والفنانين المقربين، وشركات الإنتاج بشكل عام تتجاهل هذا النوع من الفن لأنه غير مطلوب في السوق بنظرهم، وفي دولنا للأسف لايوجد دعم حقيقي  للفنان، مع ضرورة الإشارة هنا إلى وجود بعض المؤسسات الثقافية، وبعض الشركات الخاصة التي تدعم الفن والفنانين والثقافة الوطنية، كمؤسسة عبد الحميد شومان في الأردن، ومؤسسة عبد المحسن قطان في فلسطين، وشركة مقام للإنتاج الفني، اتحاد المرأة الأردنية، وشركات أخرى كانوا هم الرعاة الرسميين الذين ساعدوا في إنتاج ألبومي الأول “حلوة”.
> كيف تستطيع وسائل الإعلام السمعية والبصرية أن تساعد الفن الراقي وهل تعتقدين أن الإعلام ينصف أصحاب الفن الملتزم والراقي، وهنا أقصد البرامج الفنية والثقافية التي تضج بها تلفزيوناتنا العربية؟
>> كل وسائل الإعلام هذه يمكنها أن تساهم في دعم الفنان، من خلال تعريف الجمهور به وتسويق أعماله، لكن بشكل عام الإعلام لاينصف هذا النوع من الفن والفنانين للأسف، لكن لاننكر وجود بعض المحطات والإذاعات والبرامج التي تهتم وتدعم الفنان غير التجاري وتسلط الضوء عليه.
نموذج موحد
> وجود الموشح وأغنية الشيخ إمام وغيرهم فرض وجود نموذج موحد. كيف تختارين أغانيك كلمات ولحنا وتوزيعا؟
>> غالباً أحرص على جمالية الكلمة والصورة الأدبية، بالإضافة إلى عمق المضمون، وأحب اللحن الذي ينساب مع الكلمة بسلاسة ويترجمها ببساطة.
بالنسبة للتوزيع في الألبوم الأول بشكل رئيسي تم اعتماد التخت الشرقي الذي يبرز الآلات العربية، مع إضافة بعض الآلات الموسيقية الأخرى. حيث أن  التخت الشرقي هو الشكل الذي كان سائداً للموسيقا العربية في القرن العشرين. بالإضافة إلى أن طبيعة أغاني الألبوم كانت تتطلب هذا الشكل الموسيقي أي التخت الشرقي، فوجود الموشح وأغنية الشيخ إمام وغيرهم فرض وجود نموذج موحد وهو الأقرب لروح الألبوم. وكان الهدف أيضا أن نكون أقرب للأداء الحي، حيث إننا غالباً نستخدم التخت الشرقي في الحفلات على المسرح. لكن الأغاني القادمة ستكون مختلفة عن الأغاني السابقة من حيث الشكل الموسيقي، فكل أغنية لها روح ورؤيا موسيقية معينة، ففي هذا الزمن الذي نعيش فيه، نحن بحاجة لفن حقيقي تتكامل فيه الكلمة مع الموسيقا والصوت، يجب التركيز على المضمون والمساهمة في رفع الذائقة الفنية، نحن بحاجة إلى محاربة قوى الظلام والجهل والتكفير وزرع ثقافة الحياة، بتطوير الفكر والثقافة والموسيقا.

كان حلماً وتحقق
> غنيت من كلمات الشاعر الكبير طلال حيدر. ماهو شعورك وأنت تؤدين تلك الكلمات الساحرة واللحن الجميل؟ وما الذي يشدك لشعر طلال حيدر؟.
>> كان حلماً وتحقق أن اغني لشاعر كبير، غنى له عمالقة الفن في الوطن العربي، أحب شعره كثيرا، لأن فيه عمق وبساطة في آن واحد، فيه محاكاة رائعة للطبيعة وكأنك تنظر إلى لوحة فنية، وهو يغني للحب والوطن، ويتنقل بالصور الأدبية بصورة سلسة ويربطها بمشاعر إنسانية جميلة ومختلفة، ويمكن للمتلقي أن يفسرها حسب خياله وتصوره، وهذه جمالية بحد ذاتها. أما بالنسبة للحن أغنية “حلوة” التي لحنها الفنان باسل زايد، فهو لحن أحبه كثيراً، لأنه عبّر عن كلمات الأغنية بطريقة جميلة وبسيطة.
> برأيك ما أسباب تدني الفن أو لنقل ما أسباب رواج وكثرة الأعمال الفنية الهابطة؟.
>> الفن السائد في أي مرحلة زمنية يعكس ثقافة وطبيعة القوى الاجتماعية السائدة “الحاكمة”، ولذا فإن الفترة الذهبية للفن بمختلف أشكاله، والتي ظهر فيها عمالقة الفن والثقافة، هي فترة عقود الخمسينيات والستينيات وإلى حد ما سبعينيات القرن العشرين، بحكم أنها فترة تميزت بصعود وتسيّد القوى القومية التقدمية الوحدوية المناهضة  للاستعمار، والتي قدمت كل أشكال الدعم للفن الراقي، الذي يعبر عن هموم الأمة وقضاياها، لكن الآن في زمن تراجع المد الوطني والقومي، زمن الردة، زمن محاصرة الدولة الوطنية التقدمية ومحاصرة المقاومة، زمن الحداثة المزعومة، تنتشر مئات الفضائيات الهابطة، ومئات المؤسسات التي تروج للفن الهابط والرخيص وتغرق السوق بإنتاج فني هش، لا يعبر عن مشاعر الناس وهمومهم، وتخلو منه المعايير الفنية الحقيقة والأخلاقية والإنسانية السامية، هذه الشركات  بالطبع منتفعة من هذا الفن، وتحقق أرباحاً طائلة منه فهو تجارة رائجة ومربحة.. وهذا كله جزء من نظام عالمي سائد للأسف يتعامل مع الفن كبضاعة أو سلعة تخضع للعرض والطلب.
وبرأيي المتواضع أن العقود – التي أشرت إليها – في القرن الماضي كانت أجمل بكل تفاصيلها، وزخرت بعمالقة الفن الذين ظهروا في تلك الحقبة ولاتزال أعمالهم خالدة حتى اللحظة الراهنة، لقد كانت الذائقة الفنية أعلى، والجمهور بمجمله كان متذوقاً لهذا الفن، وكانت الثقافة وحالة الوعي متقدمةً.
> وماهو جديدك؟
>> ستصدر لي أغنيتان قريباً الأغنية الأولى: “هلّا تركنا” من كلمات وألحان الفنان والصديق تامر قراعين، وهي أغنية ضمن ألبومه الموسيقي والذي سيصدر قريباً، وتم تصوير فيديو كليب بسيط لهذه الأغنية.
الأغنية الثانية هي “تحت الشتي” من كلمات الدكتور إياد قحوش، وألحان الفنان ميشيل شلهوب، وتوزيع الفنان محمد عصفور، وستصدر في الأشهر القريبة القادمة.
وأود أن أشكر الدكتور إياد قحوش والفنان ميشيل شلهوب، على دعمهما لي في هذه الأغنية، كما أشكر زوجي الغالي داني الخالدي لمساهمته في إنتاج أغنية “تحت الشتي”.

لسورية مكانتها
> سورية رغم جراحها إلا أنها لاتزال تحمل القضية الفلسطينية في قلبها. إذا دعيت لإقامة نشاط فني تحية لسورية وفلسطين هل ستلبين الدعوة؟ ومتى يمكن أن نراك في دمشق؟.
>> يشرفني ويسعدني القدوم إلى دمشق، “فالشام غيمتنا إن عطشنا.. وقمح إن شكا الجار”،هذا بيت من قصيدة “الشام” للشاعر  صلاح أبو لاوي، والتي لحنها الفنان عمر عباد وقمت بغنائها في ألبومي الأول. فلسورية مكانتها في قلوب وضمائر الشعب الفلسطيني وفي ضمائر الأمة العربية، نظراً لموقفها الأصيل من القضية الفلسطينية، ودعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولكل نضال تحرري عربي، ودعني أقول وأؤكد بأن فلسطين وسورية معركتهما واحدة في مواجهة ذات العدو وأدواته. وطبعاً في أول دعوة توجه لي سأحضر إلى سورية وسأغني فيها وهذا شرف عظيم أتمنى أن أناله.
> نعرف أنك بانتظار مولودك الأول ماذا تتمنين له أو لها؟
>> أشكرك جداً، أتمنى له أن يعيش ويكبر في وطن عربي موحد، خال من الأمراض الطائفية والعنصرية، مجتمع واعٍ مثقف تحكمه القيم الإنسانية والأخلاقية، محباً لوطنه العربي مؤمناً بقضاياه.
حاورها: تمّام علي بركات