ثقافة

حضارة العرب في خراسان برزت بالإمارة والعلوم والفنون

جمالية كتاب د.رحيم هادي الشَمخي “الحضارة العربية وتأثيرها في بلاد خراسان” الصادر عن دار العراب في هذا العام، تبدو في وصف هذا الإقليم الساحر مع مدنه المتفرعة عنه، وإتاحة الفرصة للقارئ للاطلاع على علوم العرب التي انتشرت فيه عقب الفتح الإسلامي والنهضة العربية في القرنين الثالث والرابع الهجريين، لاسيما الترجمة عن اللغة الفارسية.
اعتمد المؤلف على السرد التاريخي وفق التسلسل الزمني كمحور أساسي للكتاب، وركز على توثيق التطور العلمي بذكر العلماء والباحثين الذين كان لهم دور بارز في نشر الحضارة العربية من خلال مختلف العلوم، فاستشهد بأقوال بعضهم، وتوقف عند علوم اللغة العربية وفنون الأدب بانتشار الشعر العربي والعجمي.
ومن خلال فصول الكتاب اتضحت قدرة الكاتب على الوصف الجغرافي لجماليات الطبيعة التي ارتبطت بإقليم خراسان.

احتكاك العرب والعجم
انتشر الإسلام في خراسان وبلاد ما وراء النهرين وتعربت تلك الأقاليم فنتج احتكاك مباشر بين العرب والعجم أدى إلى الانصهار في بوتقة الحضارة الإسلامية، وبرز من العرب أمراء وقادة تولوا مناصب هامة في العصر الأموي وذاع صيت الشعراء، وبقي النظام القبلي هو الحاكم، حيث نظام الولاية والنهج الإداري وعلاقة خراسان بالبصرة وتوطين العرب، ساعد على تثبيت حكم السلطان.

نيسابور
وتابع المؤلف سرده التاريخي عن الأوضاع السياسية في خراسان في العصر العباسي، فللمرة الأولى في عهد المأمون يمنح ولاته الإيرانيين حكم أقاليم المشرق ويجعلها إمارة وراثية لهم كالطاهرية والسامانية، وهيمنت روح التسامح مع المجتمعات التي ضموها إلى الدولة الإسلامية، وكانت نيسابور أكثر مدن خراسان أهمية وتمثل الربع الغربي منها، واشتهرت بثرائها ودورها العلمي فوصفها المقدسي بقوله “هي كوة واسعة جليلة الرساتيق والضياع والقنى” ص35، وتناول المؤلف عمارتها ومساجدها وأسواقها، إذ اتصفت جميع المدن باندماج العرب حتى إن الجاحظ أشار إلى ذلك في رسائله، وقال عنها أحد الشعراء:
ليس في الأرض مثل نيسابور بلد طيب ورب غفور ص36.

الترجمة عن الفارسية
وتعدى أمر الاهتمام بالعلم والعلماء إلى ظاهرة الترجمة عن اللغة الفارسية، وما شهدته المدن الخراسانية من عمران، وتزايد حجم الموارد المائية والاقتصادية، والدعم العلمي أثر في تنامي الرغبة العلمية لدى العلماء والفقهاء، وأشار أيضا إلى اهتمام الصفاريين بالناحية العلمية، وإلى انتشار اللغة العربية واعتمادها لغة رسمية، ولم يقتصر اهتمام الأمراء بالعلم وإنما كان الوزراء أيضاً مثل أبي عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني الذي ألّف كتابي “المسالك والممالك، والعهود للخلفاء والأمراء” ص53.

المساجد والمدارس
وامتد الاهتمام بالعلم لبعض القضاة والأعيان حتى غدت بعض المساجد مراكزَ للعلم والتعليم وعقدت فيها الحلقات العلمية كما في “مسجد الذهلي في نيسابور”، والمسجد الكبير المعروف بالمطرز، ومن المساجد انتقل المؤلف إلى المدارس التي كانت أحادية بمعنى أنها بنيت لمذهب واحد من المذاهب الأربعة، وكان أغلبها للشافعية والحنفية، ومنها المدرسة البيهيقية في حي سيار في نيسابور، وكانت المدارس سكناً للعلماء أيضاً، كما نشأت مدارس خاصة للحديث مثل الدار البسطامية ودار السنة الصبغية، وفي الوقت ذاته اشتهرت المجالس الثقافية في المنازل والقصور.

علم النحو
ثم تطرق المؤلف في فصول الكتاب المتتالية إلى رحلة علماء خراسان الذين توافدوا إلى بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجريين، إذ شهدت بغداد نهضة علمية كبيرة نضجت فيها مختلف العلوم ونمت وترعرعت، منهم الإمام أحمد بن حنبل الذي تركت أسرته خراسان لتقيم في بغداد فنشأ وتعلم من شيوخها، ليتوقف عند، فصل “العلوم الأدبية واللغوية في خراسان” وأولها علم النحو الذي نشأ لضبط قواعد اللغة العربية، فأول من وضع علم النحو العربي هو “أبو الأسود الدؤلي” وتطرق المؤلف إلى دور الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه” قال ابن خلكان : قيل إن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وضع له الكلام كله وفق ثلاثة أضرب، اسم وفعل وحرف” ص 118، وذكر أشهر علماء النحو في خراسان (الحسن بن أحمد) وله كتب متعددة نقلها تلامذته مثل الربعي الذي ألّف شرحاً لكتاب الإيضاح.

التفسير وفق اتجاهين
وترافق مع علم النحو علم تفسير القرآن الكريم وبيان أحكامه واستمزاجها، وقد اتجه المفسرون إلى اتجاهين: “الأول يعرف بالتفسير النقلي المأثور ويستند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الرأي، وكل ذلك لايعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين، وقد حظي هذا النوع بتشجيع الأئمة الكبار في خراسان” ص 122، ومن أشهر مفسري هذا النوع الجويني إمام الحرمين. أما النوع الثاني من التفسير فهو التفسير العقلي “وهو يرجع إلى اللسان عن معرفة اللغة والبلاغة في تأدية المعنى بحسن المقاصد والأساليب” ص 123.

فنون الأدب
الأمر اللافت الذي أشار إليه المؤلف هو اهتمام خراسان بفنون الأدب وبلاغته وتاريخه واستشهد بقول ابن خلدون “الأدب هو حفظ العرب وأخبارهم والأخذ من كل علم بطرف”، فظهر ما أطلق عليه المؤلف “التدجين” لوجود شعراء عرب وأعاجم، وظهرت ابتكارات خاصة غدت سمة بارزة لتطور الأسلوب الشعري في خراسان، ومن الشعراء الذين أثروا بالحركة الشعرية (أبو يعقوب الخريمي، وابن هيثم الكاتب) ص 131، ولم يقتصر الأمر على الشعر، وإنما برز كثيرون في مجال الخطابة وكتابة الرسائل وإظهار صور البلاغة وأساليبها، ومن الأدباء في خراسان الذين تميّزوا بعلم النثر(أبو إسحق الصولي) “كان كاتباً من أشهر الكتاب، وأرقهم لساناً، وأيسرهم قولاً، وسماه البحتري كاتب العراق” ص134.وتابع المؤلف التطور الفكري في إقليم خراسان في مجمل العلوم الأخرى مثل الطب والتاريخ والرياضيات والجغرافيا وعلم الفلك.
جاء الكتاب في 170 صفحة من القطع المتوسط.
ملده شويكاني