ثقافة

علي أحمد وانطلاقة جديدة لأوركسترا إيقاعية

لم تعد تلك الآلات الغريبة ذات اللحن المعدني البراق موضع استغراب الجمهور لما تحمله من غرائبية موسيقية، فإقبال الجمهور على حضور الأمسية الثانية فقط لمجموعة شام الإيقاعية بقيادة الموسيقي علي أحمد على مسرح الأوبرا، يؤكد شغفهم بهذه الفرقة ذات الطابع الأوركسترالي الجمالي للآلات الإيقاعية ، والتي تُعنى بتقديم أعمال إيقاعية أكاديمية احترافية تعكس خصوصية هذه الآلات الغربية، وتمضي مجموعة شام نحو تأسيس أوركسترا إيقاعية أكاديمية من خلال التطور الموسيقي، الذي بدا واضحاً في الأمسية الثانية في الأفكار والتنفيذ ونوعية المقطوعات، والتوجه نحو العزف الجماعي، كما تميّزت أيضاً بتأليف مقطوعات خاصة من قبل أعضاء الفرقة إضافة إلى التوزيع الموسيقي، والأمر اللافت مشاركة الموسيقي سيمون مريش بالعزف المنفرد على الدرامز وتقديمه مقطوعة تعزف لأول مرة، ومشاركة الموسيقي نزار عمران عازف الترومبيت بتطويع هذه الآلة الغربية لعزف مقطوعات شرقية تراثية. ورغم جمالية المقطوعات الغربية بقيت المقطوعات الشرقية الأقرب إلى الجمهور لاسيما مقطوعة لونغا رياض. .
ضمت المجموعة إضافة إلى الآلات الأساسية فيها وهي: ماريمبا وعدة آلات لإكزلفون بأشكال مختلفة وفايبروفون وإكلوكن شبيل وتيمباني والطبل الكبير والدرامز وأوركسترا تون مجموعة من الآلات الإيقاعية الصغيرة”إكسسوارات موسيقية” مثل كستينت وماراكاس وسنبل. ويشغل البيانو مكاناً ثابتاً ضمن مجموعة شام. وقد اتسمت المقطوعات (المؤلفة والمكتوبة) بتأثيرها الإيجابي على الجمهور رغم تكثيفها بمدة زمنية قصيرة مقارنة مع الأعمال الموسيقية الأخرى.

التشاركية على الماريمبا
استُهلت الأمسية بالافتتاحية التي ألّفها قائد الفرقة علي أحمد، اتسمت بإيقاع صاخب وسريع توحي بقراءات متعددة وربما تعكس مقاومة الشعب السوري، تبعتها مقطوعة رينغ تون تأليف داني حداد اتسمت بتوليفة بين الآلات الإيقاعية البحتة والإيقاعية المعدنية بحضور للتيمباني وتداخل صوت الماريمبا البراق، لتشكل أوركسترا تون فواصل لبدايات لحنية. في حين شكّلت آلات الإكزلفون بثلاثة أصوات البداية لمقطوعة”إفروسييل” تأليف جيوفاني ديلا مونيكا ليكون اللحن المعدني البراق هو السائد فيها، لاسيما الماريمبا الكبيرة التي تشارك عازفان بالعزف عليها وفق أسلوب التشاركية الثنائية في العزف إضافة إلى التأثير الصوتي للكونغ والماراكاس.

مريش وجزئيات العزف
تغيّرت أجواء الأمسية بدخول الموسيقي سيمون مريش إلى المسرح وتقديمه مقطوعة أساسية بالعزف المنفرد على الدرامز بعنوان”لانك بار” تأليف داني حداد بنمط غربي، بدأت برتم موسيقي خافت للضربات الخفيفة كمقدمة وتتالت نغماتها وفق أنماط موسيقية وأصوات متعددة، ففي بعض المواضع كانت تشبه نغمات المارش المتتالية، وفي مواضع اتسمت بالإيقاع السريع الصاخب والضربات الحادة لتقابلها الضربات الخفيفة وخفوت الصوت المتدرج، ومن الواضح أن سيمون مريش أظهر المقدرات الصوتية الكاملة التي تتميز بها آلة الدرامز من خلال عزفه المنفرد واستخدامه جميع الأجزاء المكونة للآلة بإصدار أصوات بأبعاد متعددة في زمن واحد، والملفت استخدام مريش الكوع أثناء جزئيات العزف لكتم الصوت، إضافة إلى المؤثرات الصوتية التي يستخدمها في عزفه بشكل دائم. وتشابكت جميع آلات المجموعة مع الطبل الكبير للتشاركية مع العزف المنفرد على الدرامز في مواضع معينة.

رقصة مع البيانو
وهيمنت الروح الرومانسية مع نغمات البيانو الهادئة للعازفة مجد سليمان كمقدمة موسيقية لمقطوعة”رقصة مكسيكية” التي شغلت حيزاً لتمضي في مسار لحني مع نغمات الإيقاعيات المعدنية ويأخذ البيانو اللحن الأساسي. وخُصص القسم الأخير من الأمسية لتقديم أعمال شرقية بحتة على هذه الآلات الغربية بعد إعادة التوزيع وهذه التجربة تقدم لأول مرة في سورية- وكما يذكر علي أحمد فإنها تقدم لأول مرة عالمياً وفق هذا الأسلوب” فكانت الامتدادات اللحنية للإيقاعيات البراقة تنوب عن الوتريات في المسار اللحني لمقطوعة لونغة رياض تأليف رياض السنباطي وتوزيع داني حداد بمشاركة البيانو والدرامز.

الترومبيت والموشح
مفاجأة الأمسية كانت بتألق عازف الترومبيت نزار عمران الذي تمكّن من تطويع هذه الآلة الغربية المنتمية إلى آلات النفخ النحاسية لعزف المقامات الشرقية بصوتها، فقدم بأدائه المنفرد تقاسيم شرقية ثم بدأ بعزف الموشح الغنائي “عجباً لغزال” تأليف فؤاد عبد المجيد وتوزيع داني حداد، ثم مشاركة المجموعة وفق التوزيع، وكما ذكر علي أحمد، فإن العازف نزار عمران بأدائه العالمي وتفرده استطاع تنفيذ الربع الشرقي على هذه الآلة، إذ لاتستطيع الآلات الإيقاعية تنفيذ هذه الخاصية، وقد أعجب الجمهور بهذه الوصلة التراثية التي تقدم لأول مرة بهذا الأسلوب.. وربما أثار لدى بعض الحاضرين المقارنة السريعة بين صوت الترومبيت وألحان الموشح الموزعة على أوركسترا شرقية. واختُتمت الأمسية بمقطوعة من التراث السوري “بنت الشلبية” بمشاركة الترومبيت وآلات المجموعة.
ملده شويكاني