ثقافة

كيــف تصبــح شاعـــراً فــي عشــر دقائق

هل مللتَ-مللتِ من طبيعتك الوجودية، المادية المتشظية؟ هل تشعر أن اللاشيء يحرك وعيك العائد من حيث ذهبت؟ هل صرت محرجا بعد أن سمعت كلاما “شعريا” في أمسية شعر شتائية كئيبة، ولم تفهم منه شيئا، فعزوت الأمر لغبائك لا للترهات التي تسمعها؟ هل بدأت روحك تفيض عنك وصرت بحاجة لأن تصبح شاعرا-شاعرة، في فترة وجيزة جدا؟ نعم هذا ممكن جدا ويمكنك أنت أيضا أن تصبح شاعرا-شاعرة-،وفق الحالة التي تجتاحنا أو نحن نجتاحها في هذا الزمن، لذا لا تتعجب ولا تندهش فنحن في زمن (ما بعد الحداثة) المصطلح نفسه يكاد “ينط” من التحديث، فما بالك بدواخل حضرتكَ-حضرتكِ؟ طبيعي أن تتفجر قريحتك وتلقي في وجهنا إبداعك المفاجئ!.
عموما هناك طريقتان ممكن أن تجعلاك شاعر قصيدة نثر بسرعة البرق، أمسك قلما وورقة وما عليك إلا أن تدون ما سوف يلي، لتصبح شاعرا-شاعرة- فذاً في دقائق معدودات، هل أنت مستعد-مستعدة؟ هيا بنا إذا.
الطريقة الأولى خاصة بالسيدات والثانية خاصة بالرجال، فإن كنتِ ترغبين سيدتي أن تكوني شاعرة فهذه هي الطريقة وإليك كونك نصف المجتمع، نموذج مجاني عليها “كادو”: تحتاجين أولا إلى “شوية” صور حنونة وعاطفية، وهي تنشأ عن طريق التركيب الإضافي، لأنه سهل في صناعة الخيال، ركزي جدا على التركيب الإضافي من قبيل: نسيم الحزن،طريق الشجن، همس الذكريات، غروب الحلم- أضيفي عليها قليلا من تعابير الحب ولا مانع من ذكر مصطلحات منعشة وموثبة مثل “النرجس،القهوة، الكتب، الصباح، الكحل، الأقراط، الخلخال، القبلات، العيون والفراشات والبحر، المناديل “وهذه الأشياء المهمة جدا، تدل على ميتافيزيقيتك الكامنة في اللازورد، كما يوجد بعض التعابير الجاهزة، وهي مهمة في تكوين حسك الشاعري سيدتي، من قبيل: “أنا مسكونة بك حد الجنون، حد الوله، أنا أحبك يا هذا، مرآتي غائبة في وعيك، صمتي صاخب في حضورك”، ثم بعد أن تنتهي من تحضير ما سبق، اضربي كل ما سبق في الخلاط الوجداني خاصتك، ويمكن أن تخرجي بمثل هذا مثلا:
“كم سيمضى من الوقت/لأدرك أن حبك يخطف ظلي/هذا هو كحلي يقف وحيدا/والفراشات تغادر قلبي بحثا عن بساتين عينيك/أرمقك في رائحة قهوتي/في دخان شجني المتطاير/في خزانة ثيابي/في زهور الأوركيد الهاجعة على الأصيص/أهمس بك سرا لستائري/لوسادتي التي تجادلني فيك حد الوله/الحروف النزقة وشراشف حنيني/الأمل المجروح على عتبات غيابك، قليل من الصمت يمنحني هدأة تفاصيلك..الخ.
ليس مهما أبدا أن يكون في النص أي فلسفة أو رؤية، ولا حتى أن يكون نصك سيدتي مستهلك وهناك مليون نص يشبهه، هذا أمر عادي فالحداثة بمعناها الزمني اليوم هي تذويب وتماهي، وكلنا واحد!.
أما إذا كنت رجلا وتريد أن تكون شاعرا، فطريقك أيسر وأسهل، والوصفة سهلة وبسيطة جدا ما من داع لا للغة ولا للصياغة ولا لرؤية أو فلسفة محددة، فقط عليك أن تبدو دائما انك ثوري ومتجاوز كل أحكام النقاد وحتى قوانين الشكل الذي تكتبه، ابق على طبيعتك، استرسل ودع نفسك على غاربها، بالنسبة إلى لغتك العادية وترهاتك اليومية لا تقلق لا يوجد مشكلة في هذه أيضا، فهذه هي الحداثة في قصيدة النثر، لأنها  بنت المعاش واليومي وكسر القيود وقداسة اللغة وتقعرها، وما يهم فعلا أن تبقى صادما معظم الوقت دون أن تبدو ولو للحظة تقليدياً، تحدث مثلا عن التابوهات الجنسية والدينية، حتى ولو بدا في النص أنك بائس ويائس وعدمي ولا مقدس لديك والمتلقي آخر من يهمك، أضف لهذا بعض المفردات الصادمة والمستهجنة أو المستغربة، مع بضعة اصطلاحات انجليزية، وفوقها أسماء مؤلفين وشعراء أجانب داخل النص، دع نفسك على طبيعتها ولا تتدخل أبدا في اختيار بنية لغوية تخصك، لا تعاند الحداثة، الحداثة التي تخبرك أنه ما من بطل ولا مركزية للذات ولا خصوصية لها، كلنا نشبه بعضنا البعض ولا فروق بين ثقافة وأخرى، اكتب ما ترتاح له ولا تفكر ولو للحظة بما سينتج عندما تنتهي، ليس مهما إن كان مقالاً، قصة، قصيدة، هذا لا يهم، المهم أن ترصّ الكلام تحت بعضه البعض وسيكون لديك قصيدة. يبقى عليك أن تختم ما كتبت بمفارقة جميلة، وهذا نموذج جاهز، تستطيع أن تعتمد عليه في البداية: “لماذا ينبغي أن نفكر في امرأة أو في قصيدة/هل فقد العالم قدرته لنبحث عن خصوبة بديلة؟/ألم يكن كافيا أن نصارع نوستالوجيا الذاكرة/المقاهي مليئة بثرثرة المارة عن الوطن/الشيخ أمام ومارسيل خليفة وربما جيفارا أيضا/ هناك تحت السرير/السجائر المغشوشة والترامادول الذي تبيعه الملائكة سرا/كأس خمر واحد كفيل بضرب اليوتوبيا وإسقاط الميتافيزيقا/وامرأة شاردة يمكن أن تعيد ناموس التكوين/ما أجمل أن تتمرغ في وحول ذاتك وتخرج نظيفا/تبتسم للشيطان الذي ينتظرك في المرآة”.
إن كنتَ-كنتِ، يمكنك أن تكون عازفا في أسبوع، ورساما في ثلاثة أيام، وقاصا في ليلة واحدة، فهذا بالتأكيد يدل على أنك خارق- خارقة، وقدرك هو الشعر، فلا تعاند قدرك، وتعلم كيف تصبح شاعرا في عشر دقائق! أما القراء فلهم الله.
تمّام علي بركات