ثقافة

رعد خلف يبدع في مشروعه الجديد ” قهوة”

“القهوة” تترافق مع مشاعر خاصة ترتبط بأمزجة مختلفة بين سكون الذات أو تواصلها مع الآخرين، فنرتشف مع مذاقها فرح اللقاء وأنين الحنين والاشتياق ورسائل الحبّ، القهوة التابعة إلى أهواء الشخصية وطبيعتها الخاصة، كانت عنواناً للأمسية التي قدمتها أوركسترا ماري على مدى يومين على خشبة مسرح الأوبرا بقيادة المايسترو رعد خلف، الذي قدم عملاً موسيقياً فريداً من نوعه على مستوى العالم حيث انطلق من خلاله إلى روح موسيقا الشعوب.
قهوة.. هي مجموعة مقطوعات موسيقية ألّفها المايسترو خلف بغية تقديم برنامج موسيقي قريب من الناس وفق مبدأ ربط الموسيقا بالمجتمع كخطوة لاحقة بأمسيته السابقة التي قدمها منذ عدة أشهر “الموسيقا التصويرية”، ولكن باقتراب أكثر من أنماط الموسيقا الغربية واللاتينية المرتبطة ببلد المنشأ للقهوة، وهذا ليس بغريب عن الموسيقي رعد خلف الذي اشتُهر بالتأليف والبحث الموسيقي. إن خلف في هذه الأمسية يقدم شيئاً مختلفاً عن مشروعه روح الحضارات القديمة ويقوم بتوسيع دائرة برنامج الأوركسترا، التي شاركت فيها مجموعة من الآلات الإيقاعية الغربية والشرقية والبيانو، إضافة إلى آلات النفخ الخشبية والساكسيفون والغيتار والوتريات، وظّفت كلها ضمن التوليفة الموسيقية تبعاً لخصوصية المادة التي كتبها خلف. وقد غلبت على جميع المقطوعات روح الموسيقا الشعبية فكانت القهوة سبباً مباشراً لتخيّل المتلقي مذاق قهوة كل بلد المرتبط بموسيقا شعبها، من خلال موسيقا السامبا والموسيقا اللاتينية وتشاتشا والإفريقية والعربية. واستضافت الأوركسترا في هذه الأمسية عازف الإيقاع سيمون مريش الذي عزف على مدى الأمسية على آلة الكونغا مع آلات أخرى، ومحمود كنفاني وميشيل خياط وعروة الشرع، ترافقت مع طقوس اجتماعية رائعة فلأول مرة قُدمت نكهات متعددة من القهوة للحضور الكبير في بهو الصالة قبل الأمسية.
وفيما يتعلق بالمسار اللحني بصورة عامة اتسمت بوتيرة الإيقاع السريع في أغلب المقطوعات، وتفاعل الجمهور بشكل واضح مع مقطوعة موسيقا “قهوة عربية” التي تشاركت فيها الدربكة مع البيانو في دور كتبه لأول مرة المايسترو رعد خلف.

السامبا والقهوة
بدأت الأمسية بالقهوة الأشهر عالمياً القهوة البرازيلية على إيقاعات نغمات موسيقا السامبا القائمة على إيقاع إفريقي والسائدة في الكرنفالات الشعبية الضخمة، فبدا واضحاً الإيقاع الحيوي لهذه الموسيقا من خلال الضربات الإيقاعية للعازف سيمون مريش على الكونغا بمشاركة السوردو، وحضور البيانو وتوظيف بقية آلات الأوركسترا، وانتهت بقفلة إيقاعية صاخبة، تتالت بعدها الصورة إلى قهوة”إكسبريسو” من إيطاليا فبدا المسار اللحني الإيقاعي أقل حيوية وأكثر استخداماً للمؤثرات الصوتية للإكسسوارات الإيقاعية مع الوتريات والبيانو وانتهت بقفلة إيقاعية ولكن بأسلوب آخر.

القهوة والكمان
واختلف مذاق القهوة في مقطوعة “قهوة روسية” إذ بدأت بنغمات هادئة مع مجموعة الكمان ثم البيانو والفلوت والغيتار، التجديد الإيقاعي مع نغمات “قهوة سادة”من فيتنام إذ أخذت الآلات اللحنية المعدنية- الفايبروفون وإكزليفون دورها كفواصل لحنية وضمن السياق اللحني مع نغمات البيانو الناعمة وآلات الأوركسترا، وامتد الهدوء الموسيقي مع القهوة الايرلندية من ايرلندا.

كاباتشينو ورقصة تشاشا
تغيّرت أجواء الأمسية مع مقطوعة”كابتشينو” من إيطاليا القائمة على نغمات موسيقا تشاتشا الراقصة، والتي كان فيها دور أساسي للبيانو لأن هذا النمط الموسيقي ارتبط مع البيانو بشكل خاص مع دور الوتريات وآلات النفخ الخشبية، إلى القهوة الإثيوبية إلى قهوة “إسميرالدا” من بنما التي أوضحت الامتدادات اللحنية فيها وفق طبيعة موسيقاها.

الدربكة والبيانو
المفاجأة التي قدمها خلف لجمهوره الكبير والمحبّ لموسيقاه كانت في مقطوعة “قهوة عربية” المقطوعة الأكثر جمالاً وقرباً من ذائقة الجمهور، القهوة التي ارتبطت بصباحاتنا ومساءاتنا فباح بتأثيرها خلف وترجمها ببداية موسيقا وترية تعيد إلى أذهاننا الموسيقا الطربية والزمن الجميل، لتتشابك مع وقع ضربات الدربكة كإيحاءات بفنّ الرقص الشرقي لترتبط مع نغمات البيانو بدور مشترك بين الدربكة والبيانو كصيغة مشتركة كتبها خلف لأول مرة، وكانت تشاركية ساحرة. فشكراً لكل ما يقدمه رعد خلف ولرسالته الموسيقية الهادفة إلى التقارب والتلاحم الاجتماعي.

ملده شويكاني