بعد نيله على “الريشة الذهبية” في مجال الترجمة ثائر زين الدين: الجوائز مهما بلغت شأناً لا تخلق مبدعاً
في الثاني من تشرين أوّل تمَّ إبلاغه بفوزه بميداليّتين ذهبيّتين من ميدالياتِ الجائزة الوطنيّة: الريشة الذهبيّة الروسيّة، ونُشِرَ تقرير لجان التحكيم في حوالي 30 صفحة على مواقع مختلفة، وضمَّ نخبة من المبدعين والأدباء الذين مُنِحوا ميداليات الجائزة الذهبيّة والفضيّة عن نتاجاتهم المتنوّعة، وقد اختير هؤلاء المبدعون من 73 دولة منها ألمانيا والولايات المتحدة وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق والصين ودول أوربّا عامةً، ومن أصل عشرين ألف مبدع رُشّحوا نال د.ثائر زين الدين الميداليتين المذكورتين عن ترجماته من الروسيّة إلى العربيّة، وقد قامت السفارةُ السوريةُ في موسكو بالمشاركة في حفل التكريم الذي أقيم مؤخراً واستلام جائزتيّه لعدم سفر زين الدين بسبب مسؤوليات عمله الجديد مديراً عاماً للهيئة العامة السوريّة للكتاب.
وأغنى آداب الأُمم
> ماذا يعني لك حصولك على جائزتين هامتين في مجال الترجمة؟ وماذا عن خصوصيتهما بالنسبة إليك؟.
>> لم أكن في يومٍ من الأيام ممّن يلاحقون الجوائز أو حتّى يصبون لنيلها، مع أنني أشرفتُ على العديدٍ منها، وآخرها جائزة “عمر أبو ريشة” للشعر العربي التي أطلقتها مع ابن أخت الشاعر نفسه منذ ستّة أعوام، ولكنني كنتُ سعيداً من أعماق قلبي حين أبلغني مجموعة من الأدباء الروس والأوكرانيين أنهم رشّحوني لنيل جائزة مهمّة تُعلَنُ في موسكو.
> من خلال اطلاعك على الأدب الروسي ما أبرز ما يميز هذا الأدب بشكل عام والرواية بشكل خاص؟.
>> الأدبُ الروسي بمراحِلِهِ المختلفة من أوسعِ وأغنى آداب الأُمم وقد أدّت الترجمةُ دورها الكبير في نقلِ الكثيرِ من روائِعِهِ إلى اللغةِ العربيّة؛ فقرأنا نتاج فيدور دوستويفسكي ومعظمنا لا يستطيع أن ينسى رواياتِهِ المذهلة: “الجريمة والعقاب” و”الأخوة كرامازوف” و”من قبوي” و”الليالي البيضاء” وغيرها، وقرأنا الكثير من أعمال تولستوي الروائية مثل “آنّا كارنينا” و”الحرب والسلم” و”البعث” وغيرها.. وقرأنا أعمال غوغول الجميلة وعلى رأسها “الأنفس الميّتة” و”المعطف” وغيرهما.. وقائمة الروائيين الروس تطول وحتى في المرحلة السوفييتيّة.. والآن هناك أسماء جديدة مهمّة، ومن الشعراء ترجَمَ لنا كبار المترجمين شيئاً من أعمال بوشكين ويسينين وباسترناك وبلوك وأخماتوفا وتسفيتايفا وبريوسوف وغيرهم الكثير. ولعلّ الملمَح الأبرز في هذا الأدب من وجهةِ نظري هو بُعدهُ الإنساني العميق وأحلامُهُ الكبيرة الطافحة بالخير والمحبّة.. ولقد عَمِلَ كثيرٌ من المترجمين على نقلِ روائع هذا الأدب إلى الروسيّة، بعضهم عن لغاتٍ وسيطة أهمّها الفرنسيّة والإنكليزيّة والإسبانية، وكثيرونَ منهم ترجموا عن اللغةِ الأم، ولا سيّما في الثلث الثاني من القرن الماضي إلى الآن.. ومن بين الأعمال التي تُرجمت قصصٌ وشعر للأطفال لكنّه أقل بكثير مما تُرجِم للكبار.
> لفت انتباهي تعاونك مع د.فريد حاتم في مجال الترجمة الثنائية.. حدثنا عن خصوصية هذه التجربة.
>> كنتُ قد ترجمتُ عديداً من الأعمال الأدبيّة حين التقيت صديقي د.فريد حاتم الشحف، وأذكر أنّه زارني يومها وكانت أمامي النسخة الروسيّةِ من كتاب “عودة الإنسان” لدوستويفسكي، وبدا عليّ التعب من العمل، ذلك أن لغة دوستويفسكي صعبة، قديمة فقد وضع نصوصَهُ منتصف القرن التاسع عشر حتى وفاتِهِ على تخوم نهاية القرن المذكور، فَعَرض الصديق د.فريد أن يساعدني، ويومها فكّرت طويلاً في الأمر وخشيتُ من فشل التجربة، لكنني فكّرتُ أنني سأتعاون مَعَهُ في الأعمال القادمة، وهذا ما كان.. وما شجّعني على ذلك هو معرفتي بأن صديقي يتقن الروسيّة بشكلٍ ممتاز وهو الذي عاش في روسيا حوالي عشرين عاماً ونالَ الدكتوراه من جامعة موسكو الحكوميّة، فعرضتُ عليه أن نشترك بترجمة رواية طاغور “القصيدة الأخيرة” ولاقى الكتابُ رواجاً كبيراً، ثم ترجمنا معاً كتاباً ضخماً لأستاذين كبيرين عنوانه “الحضارات/الماضي، الحاضر، المستقبل” وبلغ حوالي 600 صفحة، وقُدِّمَ في الأمم المتحدة بست لغاتٍ منها العربية بترجمتنا، ثُمّ نقلنا معاً عديداً من الروايات الروسيّة، منها أعمال لميخائيل بولغاكوف وجنكيز انيماتوف وجنكيز أبدللايف ودوستويفسكي.. تجربتنا فيما أظن ناجحة وقد يقتدي بها كثيرون.
> يقال أن أصعب أنواع الترجمة في الأدب يكمن في الشعر.. من خلال تجربتك الشخصية كيف تحايلتَ على هذه الصعوبة؟.
>> نعم أنتِ مُحقّة، فقد أطلق بعضهم تلك العبارة الشهيرة “الترجمةِ كالقبلة من خلفِ الزجاج” وصَرَخَ أحدهم “أيّها المُترجم، أيّها الخائن” ووضَعَ النقّاد والباحثون متطلّباتٍ صعبةٍ على عاتق من يترجم الشعر، فرأى أحدهم أنَّ على المترجم أن يكون شاعراً جيداً في لغتِهِ الأصليّة قبل أن يترجم شعرَ غيره، ورأى آخر أنَّ هذا المترجم ينبغي أن يكون ناقداً، ورفضت مجموعة من الناس فكرة ترجمة الشعر تماماً ورأت أن كاتباً كالجاحظ نقلَهُ إلى لغةٍ أخرى أمر مستحيل، وأنا وإن كنت أوافق هؤلاء جميعاً الرأي بصورةٍ أو بأخرى، لكنني أطمحُ إلى ترجمةِ الشعراء الحقيقيين إلى العربيّة، وإلّا فكيف سيتمكن شعراؤنا وأدباؤنا وقُراؤنا –عموماً– من معرفة تجارب هؤلاء.. لقد قرأنا ترجماتٍ ناجحة وجميلة للشعر الأجنبي والروسي على وجه الخصوص إلى العربيّة، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر ترجمات الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر لقصائد عديدة كتبها بوشكين والكسندر بلوك.
الإبداعُ الشبابي
> أشرفت على جائزة المزرعة الأدبية لدعم الشباب وهي من أهم الجوائز في سورية، كيف ترى واقع الإبداع الشبابي في ملامحه وخصوصيته ومطباته؟.
>> نعم، لقد أشرفتُ على جائزة المزرعة ومهرجانها منذ 1998 حتّى 2011 وكانت تجربة رائدة في دعم الأدب الشاب، ثمّ أطلقنا جائزة ابن طفيل للقصة القصيرة وجائزة عمر أبو ريشة للشعر العربي.. ومع اعتقادي الراسخ أن الجوائز مهما كانت ومهما بلغت شأناً لا تستطيع أن تخلق مبدعاً، إلا أنني وبصورةٍ موضوعيّةٍ أؤكّد أن للجوائز النظيفة الوطنيّة دوراً غير قليل في تشجيع المواهب ومساعدة المبدعين والأخذ بأيديهم من خلال طبع نتاجهم الجيّد ودفعِهِ إلى النور، وربّما تسهيل بعض وجوه الحياة الصعبة عليهم وما إلى ذلك.. إن الإبداعُ الشبابي اليوم ليس في أحسن أحوالِه، وهذا ما يبدو من خلال ما نراه أو نقرؤه ومن خلال من يطرحون أنفسهم على المنابر، لكنني أعتقد أن هناك من يعمل بصمت وبعيداً عن الأضواء والإعلام وسيفاجِئنا بما أنتج ذات يوم.
> انطلاقا من قول إيتالو كالفينو المنشور على صفحتك “لوﻻ الترجمة لكنتُ محدوداً بحدود بلدي.. إن المترجم أهم حليف لي، فهو الذي يقدمني إلى العالم”.. برأيك كيف قدم مترجمونا آدابنا للعالم؟.
>> كلام إيتالو كالفينو عميق جداً وصائبٌ بصورةٍ نادرة، ويؤسفني أن أقول إنَّ نتاج ترجماتِ مترجمينا لأعمال كتابنا ومبدعينا إلى اللغات الأجنبيّة متواضع جداً، بل إن مشاريعنا بهذا الشأن غير موجودة فيما أعلم، وهذه مسؤولية كبيرة.. كم كنت أفرح حين كنت أجد بعض روايات حنا مينا قد تُرجمت إلى الروسيّة، وكذلك بعض نصوص شعراء المقاومة الفلسطينيّة كمحمود درويش ومعين بسيسو وتوفيق زيّاد.. وهنا أعودُ فأؤكّد أنّ علينا التعاون مع منظمات كتّاب واتحادات ووزارات ثقافة على تبادل أدوار الترجمة، وعلينا أن نعود فنطلق مشاريع ترجمة من هذا النوع ودوريّات تُعنى بالترجمة إلى اللغات الأجنبيّة.
> وانطلاقاً أيضاً من مقولة بوشكين “المترجمون هم الأحصنة التي تجر عربات الثقافة والتنوير العالمية” أية أولوية يجب أن تكون للمترجمين في ظل الظلام الذي يحاول نشره الكثير من القوى المتطرفة؟.
>> إنّ إعداد مترجمٍ ناجح لا يقلُّ أهميّةً عن إعدادِ عالم فيزياء أو طبيب كبير، وهو مُكْلِف أيضاً بالقدر نفسه، وبالتالي علينا أن نعمل على إعداد مترجمين متميّزين قادرين.. إن جهود الترجمة جميعها التي نراها الآن هي جهود فرديّة وخاصّة تماماً، فعمليات الترجمة كلّها فرديّة وذاتيّة ولا تنطلق من مشاريع كبرى مرسومة ومبرمجة، وهذا الفرق بين عملنا وعمل أمم أخرى.. وبالفعل كما ألمحَ سؤالك لا بُدَّ من إعطاء أولويّة للترجمة ورجالاتها ومشاريعها، فنحن الآن في مرحلة دمار وهم يحاولون فرض الظلمةِ علينا، والتنوير والبناء يحتاجان لجهود جبّارة في الترجمة ونقل المعارف والعلوم والخبرات والآداب، وهذا لا يمكن إنجازهِ دون الاهتمام بالمترجمين وإعدادهم جيداً وتوفير حياة كريمة لهم.
> إلى أي مدى يمكن أن يؤثر عملك الجديد كمدير للهيئة العامة السورية للكتاب على إبداعك؟ وماذا عن أهم المشاريع التي تنوي تنفيذها في الهيئة؟.
>> ما من شك أنّ عملي الجديد سيؤثّر على كتاباتي وترجماتي ومشاريعي الإبداعيّة، ولكنني سأجدُ بالتأكيد الوقت المناسب لإنتاج نص إبداعي أو ترجمة قصيدة أحبّها أو قصة تعجبني.. طبعاً سيكون الأمر على حساب وقت راحتي وهدوئي واستراحتي، ولكن من قال إننا ككُتّاب ومترجمين لسنا جنوداً بصورةٍ أو بأخرى؟.
إن مشاريع الهيئة التي ينبغي إطلاقها وتنفيذها ليست قليلة وتبدأُ من إعادة هيكلة الهيئة وترميم مديرياتها بإشراف الأستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة الذي أوصى بذلك، ثُمَّ تأتي المسألة الثانية المهمّة وهي العمل على رفع تعويضات الكتابة والترجمة والرسم للأعمال التي تصدرها الهيئة وما يتبع ذلك من تعويضات لتأتي المسألة الثالثة وتتمثّل في العمل على إطلاق مشروع وطني للترجمة وهي مسألة غاية في الصعوبة بسبب وضع البلاد الذي تعرفينه والنهوضُ عموماً بسويّة ما يصدر عن الهيئة ومتابعة الجهود التي بدأها أساتذة كرام سبقوني إلى إدارة الهيئة العامة السورية للكتاب.
أمينة عباس