“من ذاكرة وطن”.. التاريخ يتبختر في أروقة المكان
اعتادت قلعة دمشق على استضافة كل ما يتعلق بالفن والموسيقى والتراث، وفي ذكرى التشرينين تزينت هذه القلعة الصامدة بمعرض جاء بمثابة تكريم للذاكرة، لتبقى غنية بالأعمال التراثية والتحف الفنية العريقة، والأشغال اليدوية المصنوعة بأيدٍ سورية. وتحت عنوان “من ذاكرة وطن” افتتح أمس معرض التراث والتوثيق الذي أقامته وزارة الاقتصاد- إدارة المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية بالتعاون مع الاتحاد العام للحرفيين.
يتضمن المعرض تراث وتاريخ معرض دمشق الدولي من الدورة الأولى عام 1954 إلى الدورة 58 عام 2011، هذا ماتحدث به المدير العام للمعارض والأسواق الدولية فارس الكرتلي، وأضاف: إن المعرض يسلط الضوء على أهم الأنشطة الثقافية والفنية والحضارية، وكيف كان نافذة سورية على العالم، واليوم يتم تكريم الذاكرة بهذا المعرض عبر الإضاءة على الحرف التراثية القديمة من أرابيسك وموزاييك وغيرها في قلعة دمشق الصامدة التي واجهت كل الحروب، وكما صمدت هذه القلعة ستصمد سورية.
تنوع الحرف
بدوره رأى رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية في دمشق فؤاد عربش أن تنوع الحرف التراثية من نحاسية وخشبية وزجاجية ومعدنية إضافة إلى النسيج، يؤكد على تميز وعراقة الحِرَف السورية التي لاتجد منافساً لها في أي دولة.
وأضاف شيخ الكار: الهدف من هذه الفعالية التأكيد أن هذه الحرف لازالت حاضرة في حياتنا، ولم تستطع هذه الحرب النيل منها رغم محاولات الإرهاب طمس تراثنا، وكما نرى حرفيينا مازالوا يعملون ويزيدون من إنتاجهم، بحيث تمثل هذه الحرف داعماً لاقتصادنا الوطني.
دمشق العراقة
وفي وقفة مع الفنانة التشكيلية وفاء الغبرة المشاركة في المعرض تحدثت عن مجسمات لدمشق القديمة والأحياء الجميلة النابضة بالأصالة إذ قالت:
هذه الأحياء الحلوة التي تعيدنا للماضي عشنا وربينا فيها، ونحن بطبيعة حياتنا الاجتماعية نتوارث هذه الأشياء والعادات الجميلة الدمشقية، من الأجداد للأبناء مما يؤكد حرصنا على جمال الروح التي نتمتع بها.
بلد الحضارة
وكان للثريات النحاسية نصيب في المعرض فيقول زياد الشايب: إن مهنة الثريات النحاسية قديمة توارثناها عن آبائنا وأجدادنا، فسورية مهد الحضارات، وبلاد الشام كانت ومازالت تنشر الحب للعالم كله.
الزجاج المعشق
من جهته تحدث الحرفي فايز تلمساني عن مهنته المعروفة بالزجاج المعشق، والتي أُطلقت عليها هذه التسمية بحكم الترابط بين مادة الزجاج والجبصين، هذه المهنة الدمشقية التي يعمل فيها عدد قليل جداً، والتي يعود عمرها إلى 200سنة، هذه الحرفة التي تتطور باستمرار، فأصبحت تستخدم كديكور للمنازل وأسقف مستعارة ولوحات جدارية وقطع فنية ومن سورية انطلقت هذه المهنة للعالم.
ولا يتوانى السيد فايز عن المشاركة بأي معرض لكي يعرّف العالم أن سورية هي ذاكرة بحد ذاتها، وليذكر من نسى أو يتناسى أن الصناعات التقليدية والحرفية التراثية موجودة ومازال الجميع يعمل بها ولن تموت هده الحرف.
مهرجان تراثي
ويفضل عدنان تنبكجي تسمية المعرض بالمهرجان بسبب الإقبال عليه فيقول: شاركنا في هذا المهرجان لأننا بأمس الحاجة لنظهر للعالم ذاكرة وطننا التراثية المستمرة حتى الآن، وقد عملنا على صناعة النحاس بطريقة حديثة من خلال تعتيقه بالبلاتينيوم وبطريقة يدوية بماء الذهب، وتم إدخال أشياء جديدة من وحي التراث، وقمت بالمشاركة بأعمال تمثل سورية فقدمت نحتاً لتدمر وأوغاريت وكل قلاع سورية والحضارات التي تعاقبت على بلدنا، لإعادة إحياء ذاكرة أجدادنا ودعوة الناس وخاصة الأطفال للمشاركة في هذه الأعمال لكي تبقى في ذاكرتهم. كما عملنا على تمازج الحجر مع الخشب والرسم التجريدي والمجسمات لشخصيات تاريخية، بالإضافة إلى صنع المرايا بطول مترين وساعات عمودية.
التذكير بالتراث
وعن مشاركتها في المعرض قالت الحرفية ميسون فتقول: نحن بحاجة لهذه المشاركة للتذكير بتراثنا، وأكون سعيدة عندما يأتي الشباب ويروا أعمالنا ويطلبون تعلمها، خاصة وأنني أشتغل بكل مايخص الزجاج والزخرفة الدمشقية والرمل والأحجار الكريمة.
ويعمل محمد رنكوس في مجال البروكار الدمشقي وقد شارك بالشالات والأقمشة الدمشقية المنقوش عليها رسوم متعددة منها عنقود عنب وعوجا بنقشة عمر الخيام وفيها ألوان بالإضافة إلى جزادين نسائية للسهرة ورجالية.
الورد في الذاكرة
وأعاد نذير التوت إحياء التراث بأعمال من الجبصين شكلّها بمجسمات قديمة مثل الفران والجمل وآلة لجلخ السكاكين، ليتعرف الجيل الجديد على الأشياء القديمة، وشاركت زوجته أمل الحفار بصناعة الورد احتفالاً بالتشرينين فقالت: ليست مشاركتنا الأولى، فقد كان لنا مشاركات سابقة في معرض دمشق الدولي، واليوم أعمل في صناعة الورد بهدف الزينة ليبقى عطر سورية عابقاً في روح وذاكرة الجميع.
سورية السباقة
ويحرص الفنان التشكيلي علي عجيب على المشاركة في هذه الفعالية التي تقام في ذكرى حرب تشرين تقديراً للجيش فيقول: نقدم من خلال هذه الفعالية رسالة للعالم كله أن بلدنا بخير، وأن الحياة الثقافية مستمرة، وذاكرة وطن بادرة من وزارة الاقتصاد لدعم الذاكرة التوثيقية للحرف اليدوية ودعمها وحمايتها من الاندثار والانقراض، التي بسبب التطور والحضارة خفت الحاجة إليها وأصبحت للعرض والزينة والهدايا، وبلدنا سبّاق وأصيل في هذه المهن التراثية التي ستبقى في الذاكرة وستحييها الأجيال القادمة من الاندثار.
جمان بركات