ثقافة

نفائس ابن النفيس يكشفها منير أبو شعر

كثيرة هي الكتب التي تناولت حياة العالم والطبيب ابن النفيس ومؤخراً أضاف د.  منير أبو شعر إلى المكتبة العربية كتابه (نفائس ابن النفيس)الصادر عن دار نينوى، وقد أخذنا الكاتب بسرده الممتع إلى عوالم تاريخية، فعاد إلى تاريخ علم الطب منذ الحضارات القديمة إلى الطب في الجاهلية.. ومن ثم في العصر الإسلامي، وتبدو جمالية الكتاب في اعتماد المؤلف على آراء كثير من الفلاسفة العرب مثل ابن سينا وابن رشد إلى جانب آراء المؤرخين والمستشرقين، وتتضح ثقافة د.أبو شعر الأدبية والشعرية في تضمين الكتاب الكثير من أبيات الشعر القديم التي تطرقت في وزن بحورها إلى علم الطب. كما شرح في الهوامش بعض المفردات الصعبة بالعودة إلى المعاجم القديمة مثل لسان العرب، كما عُني بالتبويب فابتعد عن الفصول والأبواب واعتمد على عناوين متتالية وفق المنفصل- المتصل.

التعاويذ والسحر
بدأ الكاتب بتعريف الأوائل لعلم الطب فدوّن ما كتبه جالينوس:”الطب علم بأحوال البدن الإنسان يحفظ به حاصل الصحة ويستر دزائلها” ص13، ومن مجموعة تعريفات ينطلق بسرد تاريخي متواتر لنشأة علم الطب في الحضارات القديمة، فكان المصريون أول من برعوا بهذا العلم، حيث أشارت أوراق البردى إلى أن المصريين كانوا يعتمدون على التعاويذ والتمائم والسحر أكثر من اعتمادهم على العقاقير الطبية.

الأمراض والفصول
وتابع المؤلف بسرده اهتمام القدماء بعلم الطب ليتوقف عند الصينيين الذين ربطوا بين الأمراض والفصول الأربعة، وقد تفوق الصينيون بمعرفتهم بمادة الانيدرين التي استخرجوها من شجرة الافيدار وتستعمل في علاج الجيوب والاحتقان والرشح.ص 17

الطب النبوي
ومن الحضارات القديمة إلى الطب عند العرب ففي مرحلة ما قبل الإسلام تطور الطب عندهم نتيجة تواصلهم مع الفرس والروم، واشتُهر عدد من الأطباء منهم الحارث بن كلدة الثقفي، وكذلك اشتهرت النساء بالتطبيب مثل رفيدة التي عاشت إلى زمن النبي (ص) وساعدت في تطبيب جرحى المسلمين، وفي هذه المرحلة كان الطب بدائياً إلى أن ازدهر في الحضارة العربية الإسلامية، فاشتُهر ما يعرف بالطب النبوي، واستمر الطب بالتطور في زمن الخلفاء الراشدين والخلافة الأموية والعباسية.

البيمارستانات
كما تحدث المؤلف عن المستشفيات في الحضارة العربية الإسلامية والتي كانت تدعى بالبيمارستانات وهي كلمة فارسية وتعني مكان المرضى، وقد جمعت بين تعليم الطلاب وممارسة الطب وتطبيب المرضى، وكانت ثابتة ومتنقلة، ففي كل مدينة كبرى مشفى عام يعد مؤسسة حكومية يشيدها ويقوم بنفقاتها أحد الخلفاء، وتوجد أيضا مستشفيات خاصة بأمراض معينة مثل مستشفيات الجذام والأمراض العقلية، أما المستشفيات المتنقلة فمنها للإسعاف الأولي الذي رافق غزوات الرسول ص، والمستشفيات الحربية والمحمولة التي تنتقل بين الأماكن وفق انتشار الأوبئة.

أعلام الطب
وتوقف الكاتب عند أعلام الطب العربي الإسلامي مثل(أبو بكر الرازي) الذي اشتُهر بقوله”ينبغي للطبيب أن يوهم المريض أبداً بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس”. وأضاف صفحات لابن سينا ونبوغه في الأمراض النسائية ومعالجة العقم والسل الرئوي وشلل الوجه ووصف السكتة الدماغية، وبراعته بالمداواة النفسية، ومن أشهر مؤلفاته “القانون في الطب”وتابع عن(ابن زهر وابن أبي أصيبعة)  وصولاً إلى أبي القاسم الزهراوي وكتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف) الذي يعد أول كتاب يتناول موضوع الجراحة مع التوضيح بالرسوم والأدوات أو الحدايد.ص 81

عصر ابن النفيس
ونصل في القسم الثاني من الكتاب إلى عصر ابن النفيس” الذي لم يكن عصر طمأنينة واستقرار يساعد على البحث والتتبع العلميين، وإنما كان عصر تفجر وظروف قاسية تطحن الناس طحناً” ص 83، وترافقت هذه الأوضاع مع نظام يستمد شرعيته من السلطان، وبدأ بسرد حياة ابن النفيس منذ ولادته 607هجرية في قرية “قرش” قرب دمشق. ووصفه الكاتب كما جاء بالمراجع بأنه “نحيل الجسم، طويل القامة، رقيق الجانب، لطيف المعشر”ص 97.

وصفه للنساء
وأورد الكاتب بالأدلة أن ابن النفيس تزوج على خلاف ماذُكر ببقية الكتب من خلال كتاب د. يوسف زيدان في كتابه (علاء الدين –ابن النفيس- القرشي) إذ وضع ابن النفيس شرحاً وافياً للعناية بالطفل الرضيع فقال: “وهذا ولدي محمد في زمن طفولته ارتضع عن والدته” ص101 فمن خلال التعبير يتضح أنه تزوج وأنجب، وفي الصفحات التالية تابع الكاتب سرده عن أساتذته وتلامذته وشخصيته وأقواله ومنها”لو لم أعلم أن تصانيفي تبقى عشرة آلاف سنة ما وضعتها” ص 115.

ظُلم مرتين
ورغم تشعب الموضوعات التي وردت في الكتاب والتي تتعلق بتفاصيل حياته وإنجازاته العلمية إلا أن إشارة المؤلف إلى ظُلم ابن النفيس كانت لافتة، ففي المرة الأولى ظلم حينما ادعى الطبيب البريطاني وليم هارفي أنه هو الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى عام 1628بينما اكتشفها قبله بحوالي أربعمئة سنة ابن النفيس، كذلك ظُلم حينما اختزل جهده بأنه مكتشف الدورة الدموية الصغرى المعروفة بالدورة الرئوية، والواقع أنه اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى، وكشف العديد من الحقائق التشريحية ووضع نظرية باهرة في الرؤية والإبصار، وتوفي في القاهرة سنة 687 هجرية. وفي القسم الأخير من الكتاب أفرد الكاتب صفحات لشرح العلوم التي برع بها ابن النفيس، ومنها علم الفقه وأصوله وعلوم العربية، إضافة إلى مؤلفاته ويعد الشامل في الطب من أشهرها.
تكريمه
ومما ورد في الكتاب أن محافظة دمشق كرّمت العالم الطبيب ابن النفيس بتسمية مستشفى يحمل اسمه، كما أطلقت اسمه على المنطقة بأكملها. جاء الكتاب في (215) من القطع الكبير.
ملده شويكاني