ثقافة

قراءة في ديوان (معنىً على التل) .. للشاعر صقر عليشي

للقصائد أنواع عدة، منها تلك التي تأتي أشبه بمنولوج يُعبّر عن حالة نفسية في لحظات تأملية رؤيوية.. أي هي لقطة أو عدة لقطات حول ترجمة سيكولوجية لمفردة مشهدية ما، أو حدث ما، أو نمط ما من السلوك أو الشخصيات.. وهذا ما اعتمده الشاعر صقر عليشي في ديوانهِ (معنىً على التل) ونلاحظ أن قصائد الديوان لاتحتوي العالم الخارجي فقط، ولا ينحاز إلى المونولوج والسريالية بل هو يقرأ الخارج من الداخل.. فيجعل من ذاته الشاعرة تبعثر ماحولها وفق رؤيا لتخلق وتعطي الآخر – المُتلقي – فرصة للتأمل وقد فتت لديه ماتريد من المفاهيم وفتحت ذراعيها ليعانق فيها معاني جديدة. ونلاحظ مايشبه الفسيفساء في دواوين الشاعر ذلك أن ذاته الشاعرة عميقة ولا تتجلى في نصٍّ واحد بكلياتها. وتُعدُّ النصوص القصيرة مجازفة، لأن على الشاعر أن يصل بالمتلقي إلى الإشباع ويطرح حلقة إبداعية متكاملة بأقل مجهودٍ لغوي. وقد برع الشاعر عليشي في تجربته مع النص القصير ذلك أن أُسَّ العملية الإبداعية لديه هو اللحظة الاشراقية.. فالنصوص ذات الزخم والمبنى المتجانس المقتضب والتي تحتوي كثافة جمالية وبُعداً دلالياً، تعتمد في معظم الأحيان على اللحظة الإشراقية وهي ينبوع للأصالة والتدفق، ومن أهم خصائص الشعر كجنس أدبي، الانسيابية والتدفق. ويتوقف نجاح النص في هذه الحالة على التراكم الثقافي لدى الذات الشاعرة وقدرتها على ترشيدهِ وتوظيفهِ في النص. وإذا تأملنا معظم عناوين قصائدهِ نجدها تتألف من كلمة أو كلمتين (سماء، خريف، مصباح، زائر، عنب، يقين، تفقد.. الخ) وقد درج لدى كتاب هذا العصر اعتماد النصوص القصيرة التي هي أشبه بـ (فلاشات) لاتسعى للإرشاد والوعظ، بل إلى حض المتلقي على التفكير والتأمل فترهصُ بالفكرة حيناً وتقبضُ عليها أحياناً أخرى، وتقدمها في مشهديات تمتاز بالعلاقات الفريدة بين مكوناتها، ولكنها في كلِّ الأحوال تقلق السابق والأيديولوجي بقوة حضورها. وقد اعتمد النصوص القصيرة كل من الشعراء أدونيس ووسيم الروسان وعبد الله حلاق وغيرهم الكثير.. ونلحظ ما تحدثنا عنه في قصيدة للشاعر عليشي بعنوان (قال السر). ومن ميزات الديوان تنوع المواضيع التي تطرق إليها، وقد تبنى الشاعر فيه مبدأ أن الشعر (دهشة متناغمة تخلق دلالة ترافقها موسيقى ما في اللغة) وشاعرية الفكر أكثر منه (موسيقى اللغة وجزالتها) وجاء المبنى كضفتين للمعنى وليس هندسةً ونظماً يُحمل إليه المعنى.. يقول بول فاليري:
“القصيدة هي تطورٌ للتعجب، صيغة واضحة المعالم للتعجب”.
“هادئ حائط البيت..
سجا كلُّ شيءٍ
كأنَّ الطبيعة في راحةٍ
للعناصر
زجاجُ النوافذ أغمضَ
كلَّ شفافيةٍ عندهُ
وأرخى عليه الستائر
وتلك الأريكة
مامن ملامحَ تبدو عليها
على أنها في انتظارٍ لزائر
يتيح النص الطويل استخدام العديد من التقنيات والفنيات وتنويع أساليب تدعيم فكرتهِ، حيث يمكن اعتماد تنويع أساليب اللغة العربية (من نفي واستفهام وتعجب وتمني ..الخ) وهي عادة تحرك المبنى والمعنى في آنٍ معاً بالإضافة إلى الانزياح والمحسنات البديعية وتعدد الأصوات والمناظير والاستناد إلى الموروث.. الخ، بينما النص القصير لايمنح كاتبه مجالاً واسعاً في هذا المضمار.. ولعل السمة الأبرز لقصائد الشاعر صقر عليشي هي التلقائية والانسيابية.. رغم أنه ينطبق عليها قول غونار أكلف:
“الشعر هو بالذات هذه العلاقة المليئة بالتوتر بين الكلمات، بين الأبيات، بين المعاني”.
سامر منصور