مايا أنجيلو .. الطائر الأسود الحزين يغني في أمريكا العنصرية
يجسد هذا الكتاب السيرة الذاتية للكاتبة والشاعرة مايا أنجيلو وهي من أوائل الأمريكيات الأفارقة اللواتي تمكنّ من سرد حياتهن الشخصية على مرأى من الناس، وقد حظيت باحترام كبير باعتبارها المتحدث الرسمي للأمريكيين السود، إذ تعتبر أعمالها بمثابة جبهة الدفاع عن ثقافة الأمريكيين الأفارقة، ورغم محاولات حظر كتبها من بعض مكتبات الولايات المتحدة، إلا أن أعمالها انتشرت على نطاق واسع في مدارس وجامعات العالم، غير أن العديد من النقاد اعتبروا هذه الأعمال مجرد سير ذاتية روائية. وتعمدت أنجيلو تغيير النمط الشائع في كتابة السير الذاتية وذلك من خلال نقد، وتنويع، وتوسيع نطاق هذا النوع الأدبي، وتتركز كتبها في مناقشة موضوعات تعبوية عديدة، منها على سبيل المثال العنصرية، والهوية، والأسرة، السفر والترحال، وهي شاعرة عظيمة بالرغم من ردود الأفعال المتباينة على قصائدها.
روايتها “لماذا يغرد الطائر الحبيس” نسجت أحداثها من وحي الخيال، وهي تتركز على الإرادة القوية للبطلات الشابات، اللواتي يتميزن بعلاقاتهن المتينة مع أشقائهن، ودراسة لدور الأدب في الحياة، والتأكيد على أهمية الحياة الأسرية، والمجتمعية، ومدى الترابط الأسري بين العائلات. أما البطل في هذه الرواية فيقدم مثالًا على كيفية بقاء شاب أفريقي على قيد الحياة، فلم تروِ أنجيلو قصة حياة فرد واحد، بل قصة حياة جماعة تعاني العنصرية، حيث قامت بمحاولة متعمدة منها أثناء كتابة الطائر الحبيس في تغيير البناء المعتاد للسيرة الذاتية بالنقد، والتغيير، وتوسيع هذا النوع، ويؤدي استخدامها لتقنيات الخيال في الكتابة سواء في الحوار، والشخصيات، والتنمية الإنشائية في كثير من الأحيان إلى تصنيف المُقيمين لكتبها بأنها سيرة ذاتية، يكتبها الكاتب لنفسه، ويضاف إليها قدر من الوحي، كما تتوافق مع البناء القياسي للأجناس الأدبية مرتبة ترتيبًا زمنيًا، وتحتوي على عناصر الشخصية، والتقنية، والموضوع، وخلال الأشهر، التي قضتها في كتابة الكتاب، ابتعدت “أنجيلو”ِ عمن حولها لأنها تريد أن ترفع سقف طموحها عاليا، وهو تأليف الكتاب الذي من شأنه تكريم تجربة السود، والتأكيد على “النفس البشرية”، ونجحت في تحقيق هدفها، وصبت اهتمامها على ذلك الهدف، وكتبت قصة عن تحول (البطل\البطلة) من المراهقة حتى الشباب، التي أصبحت من الكلاسيكية الحديثة.
وللطائر الحبيس المثال الذي يحتذى به في السير الذاتية، التي كتبتها نساء من أصل إِفْريقِي في السنوات، التي أعقبت حركة الحقوق المدنية، فيعرض الكتاب الموضوعات المشتركة في السيرة الذاتية، التي كتبتها هؤلاء النساء: الاِحْتِفَال بالأم ذات البشرة السوداء، ونقد العنصرية، وأهمية الأسرة، وكذلك الترابط الأسري، والسعي من أجل تحقيق الاستقلال، والكرامة الشخصية، والتعريف بالذات.
وتعرض أنجيلو وجهة نظرها الفريدة من نوعها في السيرة الذاتية الأمريكية، من خلال إزاحة الستار عن قصة حياتها، عبر الراوية، وهي أُنْثَى ذات بشرة سوداء، في بعض الأحيان طفلة، وأحيانًا أخرى أماً، ويطلق الكاتب “هيلتون أليس” على “أنجيلو” لقب إحدى “رواد كشف النفس” لرغبتها في التركيز بكل أمانة، وصراحة على الجوانب السلبية لشخصيتها، وخياراتها السيئة، وعلى سبيل المثال، عندما تفصح بأنها عاهرة، وأقنعها زوجها بول دو فو بنشر الكتاب، من خلال تشجيعها على “الإفصاح عن الحقيقة بصفتها كاتبة”، و”أن تكون صادقة في كتابة هذا الموضوع، فإنها نجحت في التأكيد على الهوية والعنصرية والاغتصاب ومحو الأمية، وخلال تتابع أحداث كتاب “الطائر الحبيس”، تنتقل مايا-التي تم وصفها بأنها “أصبحت شخصية ذات طابع رمزي”، تعبر عن كل فتاة ذات بشرة سوداء نشأت في أمريكا من كونها مجرد ضحية للعنصرية، بالإضافة إلى عقدة النقص، إلى فرد مدرك لذاته، ولأهميته، فتستجيب لتلك العنصرية بكرامة، وإِحْساس قوي بهويتها، وصرحت العالمة ماريا لوريت المؤيدة للحركة النسائية إن “تشكيل الهوية الثقافية للإناث” يندمج مع السرد في الكتاب، فأصبحت مايا “نموذجًا تحتذي به المرأة ذات البشرة السوداء”، فعند انتقالها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، تستخدم ببراعة فائقة “الأسطورة المسيحية”،التي تعرض موضوعات عن الموت، والإحياء، والبعث، وحياة مايا غير المستقرة في ذلك الكتاب توحي بالشعور بذاتها، كما يظهر بشكل دائم في عملية التحول، من الموت، والولادة من جديد، بكل ما فيها من تداعيات.
وتفاقم ألم “مايا” لكونها فتاة مشردة فهي “الطفلة المنسية”، ويجب أن تتأقلم مع “واقع لا يمكن تصوره”، بصفتها فتاة غير محبوبة، وغير مرغوب فيها، تعيش في عالم قاس، لم يعرف مفهوم الجمال إلا البيض، ويرفضها ببساطة، لأنها فتاة سوداء، وأضفت “مايا” صفة ذاتية على الامتعاض، وحالة الرفض، التي شهدتها فكان إيمانها بقبحها لا حدود له.
ورغم أن الكتاب كان تحدياً للقراء من الشباب، وبعض الكبار، وتأكيد التربويين على أهمية إعداد المعلمين، لتقديمه على نحو فعال، فقد تعرض وكغيره من الكتب الإباحية للنقد ببعض المشاهد الجنسية الفاضحة، وطريقة استخدام اللغة، والعنف ضد الأطفال، والسحاق، والمعاشرة قبل الزواج والإباحية المفرطة والتصويرات المنافية للدين، إلا أنه ورغم كل الانتقادات حظي بالمركز الثالث على قائمة جمعية المكتبات الأمريكية(ALA) لأكثر مائة كتاب جرأة في الفترة بين1990-2000، وهذه هي السيرة الذاتية لمايا أنجيلو والتي طالما غيرت عقول قرائها، عبر حديثها عن سنوات شاقة منذ طفولتها حتى شبابها، وربما تكون حافزا للنضال وتحقيق أهداف الأمريكيين ذوي البشرة السمراء.
وأختم بقول للكاتبة: “احرصي ألا تموتي قبل أن تقدمي شيئا رائعاً للإنسانية”.
دانيا عبارة