ثقافة

حـول قـواعـد الـعـشـق

أليف شافاق كاتبةٌ ناجحة تختارُ جلالَ الدّين الرّومي وشمس التّبريزي في روايتها, هما شخصيّتان على درجة عاليةٍ من الأهميّة, بلْ إنّ العاملَ الدّينيَّ هو الأكثر حساسيّةً وتأثيراً في مسارِ الإنسانِ , فإن تأثّرت المعاييرُ الأخلاقيّة والخارطة السّياسيّة والتراتبيّة القيَميّة بعوامل المادّة والفكر والجغرافيا وغيرِها، فالعامل الدّينيُّ كان دائما الأشدَّ تحريكاً, فهو متعلّقٌ بالفكر وبالغريزة, بتنظيم المجتمعِ وفوضاه, بالسّلم وفي صناعة الحروب, بهواجس الإنسان (خوفه، قلقه, زواجه, طعامه, هواجس خلوده..) وأخذت الكتابات الدّينيّة اتـّجاهات متعدّدة (تعصّبيـّة, تسامحيّة, تطويريّة, رجعيّة, تاريخيّة, أدبيّة…) تأتي روايةُ (قواعد العشق الأربعون) للكاتبة أليف شافاق ضمن الأعمال الأدبيّة المستندة إلى العامل الدّيني, تدخل الكاتبة روايتها من باب عائلة أمريكيّة فيها زوج لا مبالٍ يقضي وقته خارج منزله, بين عيادته وملذّاته المبتذلة, وزوجةٌ نذرت نفسها لأجل سعادة الزّوج وتربية الأطفال, حتّى أنّها لم تكن تسأله عن تأخّره ومغامراتهِ وتلوّثهِ, وتدخل الكاتبة إلى قصّة شمس التّبريزي بطريقة إبداعيّة، فالزّوج الذي يساعد الزّوجة في البحث عن عمل لإشغالها, يعثر لها على عمل قارئةٍ لصالح دار نشر, وأوّل كتاب كلِّفت بتقديم دراسةٍ عنه هو (الكفر الحلو) وهو رواية حول جلال الدّين الرّومي وشمس التّبريزي في قواعد العشق الأربعين (نفس موضوع الرّواية) ويأخذ شمس التبريزي أربعينه من عمل ديني (فالغيبيّون يستخدمون رموزاً غير مفهومة ليوحوا للآخرين أنّهم يمتلكون أسراراً لا يفهمونها) فطوفان نوح استمرّ أربعين يوماً, والمسيح خرج للقفر أربعين يوماً, ومحمد كان في الأربعين عندما نزل الوحي عليه, وبوّذا تأمّل تحت شجرة الزيزفون أربعين يوماً, وطبيعيٌّ أن يعمدَ الصّوفي للتمسّك بالرّموز الدّينيـّة, فما الصّوفية إلاّ ممازجة الدين بالفلسفة, ومحاولة بث فهم راقٍ للنصّ الدّيني, فالذّين يضحّون بأنفسهم يتلون نصّاً دينيّاً, والذين يرتكبون الجرائم كذلك, فالنصّ الدّيني غالباً إيحائيٌّ, وكما احتاج رسولاً ليوصله, فهو يحتاج مفكراً ليوضحه, في الصّفحة -326- يفضل شمس التّبريزي أن يطفئ نار جهنّم ويحرق الجنّة ليعلّمَ الناس الحبّ الخالص لله, بدل حبّ المنفعة والخوف, فالحبّ لا يكون حبّاً وقت المنفعة الماديّة والجسديّة, قلنا أنّ ذكاء الكاتبة يتجلّى بحسن اختيارها, فما أن تختار شمساً التّبريزي حتى تجد ما يملأ روايتك من الحكم والأقوال, مما يغني العمل لرّوئي حتّى وإن قيّدته الأحداث, من الأقوال التي جمّلت الرّوية (في بعض الأحيان عليك أن تحطّم جميع ارتباطاتك حتى تفوز بنفسك) و(إنّ المبادئ والقيود الدّينيـّة مهمّة لكنـّه يجب ألاّ تتحوّل إلى محرّمات) و(آمنْ بقيمك ومبادئك ولكن لا تفرضْها على الآخرين) و(إنّ الشّخص الذي يعتقد أنّ لديه كلَّ الأجوبةِ هو أكثر النـّاس جهلاً) و(تخلّصت الآن من الحاجة لوجود معجبين حولي) كذلك ثمة قولٌ جدليٌّ (النفاق هو الذي يجعل النّاس سعداء، أمّا الحقيقة فتسبّب كآبتهم) كذلك نقرأ )الذين يستسلمون للجوهر الإلهي للحياة, يعيشون بطمأنينة وسلام حتّى ولو تحوّل العالم لاضطرابٍ تلو الاضطراب) وأيضاً القاعدة -35- من قواعد العشق (المتناقضات الصّارخة, هي التي تجعلنا نتقدّم للأمام) هذه القواعد والحكم وحدها كفيلة بإغناء نصِّ الرّواية, وهذا لا ينفي قدرة الكاتبة فنّيّاً, وجدارتها بالتّخيّل رغم كتابتها عن حدث واقعيٍّ, في الصفحة -473- يقول الدّرويش عكس ما قاله قبلاً, فهو إذ رأى (القَدَرَ كآلةٍ موسيقيّة ونحن نعزف عليها بشكلٍ جيّدٍ أو رديء) يعود للتّسليم العمائي للقدر, لدرجة عدم اتّخاذه الحيطة والحذر حينما أدرك أن ثمة من يتربّص به لقتله (لا تخفْ من المؤامرات ومن الغدر والمكائد, وتذكّر أنّه إذا أحدهم نصب لك شركاً فإنّ الله يكون فعل ذلك) هنا تناقض مع قاعدة عشقيّة سابقة، وهنا أيضا فكرة خطرة على القناعات (التسليم العمائي) تدين الكاتبة شخصيّتها المثالية, شمس التبريزي, وعزيز الكاتب المقتدي بشمس والمتماهي به, فشمس يتزوج ممن أحبته وهو يعلم أنه غير قادر على إسعادها, فيتسبب بكآبتها وموتها دون أن يأبه لها, وعزيز يغري امرأةً و يأخذها من زوجها وأولادها وهو مريض بالسرطان ولم يبق لحياته أشهر معدودات.
“قواعد العشق الأربعون”: تأليف أليف شافاق رواية هامّة حول جلال الدين الرّومي وشمس التّبريزي من خمسمئة صفحة من القطع المتوسط.
قيس حسين