بعد الانتهاء من تصوير فيلمهما “45” محمد ومسوح: لا تفصيل في الحياة دون قيمة
لم تكن ولادة فيلم “45” لهيثم مسوح وفراس محمد – كتابةً وإخراجاً- والذي انتهى تصويره مؤخراً ضمن مشروع دعم سينما الشباب إلا نتيجة طبيعية للتفاهم والتناغم والقواسم المشتركة بينهما ولاسيما في نظرتهما المشتركة لفن السينما.
حالة استثنائية
ويعتبر فراس محمد أن إنجاز فيلم “45” كان حلماً وتحقق من خلال مشروع دعم سينما الشباب الذي أطلقته المؤسسة العامة للسينما منذ سنوات، مبيناً أن التناغم مع مسوح كان منذ أن قاما بابتكار الفكرة ومعالجتها على صعيد النص وانتهاءً بمعالجتها إخراجياً، مؤكداً أن حالتهما كانت استثنائية، حيث تم الاتفاق بينهما على الكثير من النقاط التي تم الاشتغال عليها في النص، وتم التركيز في عملهما على ما يجمعهما ويشتركان فيه أكثر مما يثير الخلاف في سبيل تقديم عمل فني جيد على صعيد الشكل والمضمون، وأوضح محمد أنه لا يمكن لأي فيلم يتم إنجازه اليوم أن يخرج عن سياق الأزمة التي نعيشها، فعلى الرغم من محاولتهما الابتعاد عنها إلا أنها بقيت حاضرة في التفاصيل بشكل أو بآخر، خاصة وأن الفيلم يتناول التفاصيل الحياتية الصغيرة التي تتراكم لتخلق أحداثاً كبيرة، وبالتالي بُنيت فكرة الفيلم الأولى على هذه التفاصيل، ومن ثم تم تطويرها بحيث لا تكون هي بطلة النص، وقد تشعبت للكثير من التفاصيل البصرية التي تخدم الفكرة الأساسية والعديد من المقاربات الموجودة في النص، لتدور الفكرة الأساسية حول أن أيّ إنسان معرَّض لأي شيء وبنتيجة أي شيء وبسبب أي شيء، لتتحدث مقولة الفيلم وبشكل غير مباشر أنه بلحظة معينة تصبح الأفعال مهما كانت قيمتها واحدة، مشيراً إلى أن كتابته للنص سهَّلت عليه عملية الإخراج، إلا أن الهامش الموجود دائماً بين النص المكتوب والرؤية البصرية يتيح لمكان التصوير أن يفرض بعض المعطيات في كل فيلم، مع تأكيده على أنه ومسوح درسا مواقع التصوير وهما مدركان ويعرفان ماذا يريدان من هذه المواقع، إلا أنهما كانا متحررين اتجاه أي شيء يمكن أن تفرضه هذه المواقع والتقاطه بشكل مرتجَل خدمةً لفكرة الفيلم.
التجربة الأولى
وعلى الرغم من أن فيلم “45” ليس التجربة الأولى له في السينما وقد سبقته ثلاث تجارب لم تكن مع مؤسسة السينما إلا أنها التجربة الاحترافية الأولى له مع مؤسسة السينما، والأهم برأي محمد وجود مناخ احترافي فيها، وهذا الشيء جعله ومسوح مسؤولَين أكثر اتجاه الفكرة والفريق الفني لتقديم الأفضل ولإيصال ما هو موجود في النص بصرياً، وما يرغبان بإيصاله.. من هنا كان من الضروري ألا يبخلا بأي جهد على الفيلم، وقد كان الهدف بالدرجة الأولى على الصعيد البصري التركيز على التفاصيل الموجودة في حياة أي شخص والتي قد يمر عليها دون ملاحظتها نتيجة الروتين الذي يجعلها مهمَّشة، لذلك تواجدت الكاميرا في أمكنة معينة لتسليط الضوء عليها من خلال يوميات حياتية لوضعها ضمن حيزها وبشكل أكبر من حجمها، لإبراز الأثر الذي تخلقه حيث لا تفصيل في الحياد دون قيمة، وكل ذلك -كما يوضح محمد- عبر الكاميرا المحمولة وبأسلوبية قادرة بصرياً على الربط بعيداً عن الحوار أو أية وسيلة تعبير أخرى وعبر شخصيات لا رابط بينها إلا تراكم الأحداث.
تأسيس لولادة مخرجَيْن
أما هيثم مسوح فيشير في بداية كلامه إلى أهمية مشروع دعم سينما الشباب بالنسبة له، وانطلاقته في عالم السينما كانت من خلال المنحة الثانية في العام 2013 وبالتالي فإن التطور الذي طرأ على عمله في هذا المجال كان من خلال فيلمه الأول “ترك” الذي حاز على الجائزة البرونزية في مهرجان الأفلام القصيرة والذي فرض عليه أن يطور ذاته لتقديم ما هو أفضل، منوهاً إلى أن التجربة الأولى في كثير من الأحيان هي التي تحدد إمكانية الاستمرار في هكذا اتجاه، مؤكداً أنه لولا وجود هذا المشروع لدى المؤسسة ما كان بالإمكان للسينمائيين الشباب أن يخوضوا تجاربهم السينمائية، وقد أتاح لهم هذا المشروع ذلك على الرغم من الظروف الصعبة التي نعيشها في بلدنا، مبيناً أن هذا المشروع أثمر أعمالاً مهمة مهَّدت لأصحابها الذهاب إلى تقديم أعمال سينمائية احترافية، وهذا يعني بالنسبة لمسوح أن هذا المشروع يؤسس لولادة مخرجين جدد في عالم السينما السورية.
وبالعودة لشراكة مسوح مع محمد في فيلم “45” يؤكد أن هناك الكثير من الأعمال التي تعتمد التشاركية سواء على صعيد النص أو على صعيد الإخراج، وقد كانت – برأيه- تجارب ناجحة تعلَّم منها كما تعلَّم من التجارب الفردية، أما عن أسباب عدم استمرار الكثير منها فلأن الفن -كما يقول مسوح- شديد الحساسية من ناحية خصوصية الفنان، فالكاتب أو المخرج وليس من منطلق الأنانية يسعيان لتقديم مزاجهما الخاص، في حين أن ذلك غير ممكن في الأعمال المشتركة التي من المفترض أن تعكس مزاج شخصين بالتوازي والتساوي، ويوضح مسوح أكثر فيبيّن أن السينما أداة تعبير ولغة يسعى السينمائي من خلالها إلى التعبير عن ذاته بغضِّ النظر عن نتيجة التلقي، وبالتالي فوجود شخص آخر يعني بالضرورة أن يتنازل عن بعض الأمور للوصول إلى صيغة ترضي الطرفين، فالشراكة – برأيه- هي وجود شخصين يبنيان الفكرة بالتساوي دون أن يشدَّ أحدهما النص إلى جانبه، وهذا ما حدث بينه وبين محمد حيث كان التناغم والتفاهم سيّدا الموقف في كثير من التفاصيل، مشيراً مسوح إلى أن الشركاء إذا كانوا في تجربتهم غير منسجمين أو متفاهمين ولا يعرفون بعضهم ستكون الأنانية سيدة الموقف وسيحاول كل طرف شدَّ الفيلم لناحيته ولمزاجه وأسلوبه، مما سيؤدي إلى خلل فيه، وهذا ما يجب أن يبتعد عنه في أية تجربة مشتركة، وهذا ما لم يحدث بينه وبين محمد حيث كانت الشراكة عصفاً ذهنياً بحيث أن أية تفصيلة في النص مهما كانت صغيرة سينتبه أحدهم إليها، وبالتالي فتعدد الأمزجة السينمائية في داخل كل واحد كان سبباً يستدعي فعلاً متطوراً، مبيناً في الوقت ذاته أن العديد من التجارب المشتركة لم تستمر بالتوافق بين الطرفين وليس نتيجة خلاف حتمي بينهما.
تجربة ناجحة
أما إن كانت تجربته مع محمد قد نجحت أم لا فيرى مسوح أنها تجربة ناجحة، فما حدث أثناء التصوير كان ممتعاً للطرفين، أما النتيجة النهائية للفيلم فلم تعد هي المهمة برأيه لأن الطريق إلى الهدف كان أجمل من الوصول إليه، معتقداً أن نجاح الفيلم أو فشله مرهون بأمزجة من سيراه وإن كان مؤمناً بأن كل شخص لديه تقييمه الخاص حيث أن الفيلم الواحد هناك من يراه ناجحاً وهناك من يراه عكس ذلك، ولكن ما هو مؤكد بالنسبة له ولمحمد أن شراكتهما نجحت، والدليل وجود مشاريع إخراجية لديهما قيد التحضير، مؤكداً أنه حتى الآن لم يقدم كلَّ ما لديه، وأنه من الخطأ فعل ذلك من خلال تجربتين إلا أنه مؤمن بأن التجربة الأولى كانت ناجحة ومن المفترض أن تكون الثانية أكثر تطوراً بحكم التجربة والممارسة.
بطاقة فيلم :”45″
إشراف عام: ريمون بطرس، مدير إدارة الإنتاج: باسل سراولجي- مدير الإنتاج: مغيث ديب، الإشراف الفني: أيهم عرسان – مصور فوتوغراف: رهف جمال، صوت: قصي الحافظ.
تمثيل: محمود خليلي، رامية الزيتوني، محمد زرزور، تالة عوض، سليم صباغ، أحمد فارس، الطفل ربيع جان.
أمينة عباس