الخيميائي وأسطورتنا الشخصية
إن لك أسطورتك الخاصة التي تنتظرك لتبحث عنها وتحققها، وإن أردتها بإخلاص فإن كل موجودات الكون ستدلك وستساعدك في الحصول عليها، فلا تيئس واصبر واجتهد، فالساعة الأكثر ظلمة هي الساعة التي تسبق شروق الشمس، وقل لقلبك دائماً إن الخوف من الفشل هو أكثر سوءاً من الفشل نفسه..
معان عميقة ورؤى فلسفية مختلفة يسطرها لنا باولو كولو في روايته الخيميائي، ليستنهض بها كوامن القارئ ويبعث فيه روحاً جادة للبدء من جديد، إضافة للأثر الوجداني الذي تتركه، ضمن نص نجح في سبر عوالم الإنسان الروحية وطرح أسئلته الوجودية والمصيرية.
أحداث الرواية
تدور الرواية حول الشاب سانتياغو الفقير راعي الأغنام في الأندلس، يراوده طموح دائم بأن يغير طريقته في الحياة، رغم محبته لأغنامه وإخلاصه في الاهتمام بها، إلا أن قراءاته وشغفه بالتعلم والاكتشاف والبحث وسعت مداركه وعززت طموحه بالتغيير، وعلمته أن للعالم روحاً، وأن من يفهم لغة الروح يفهم لغة الأشياء وإشاراتها.
يحلم الشاب أثناء نومه في ظل شجرة بطفل صغير يخبره بأن هناك كنزاً بانتظاره عند أهرامات مصر، ثم يأخذ بيده ليدله على الكنز وينتهي الحلم دون أن يعرف مكانه, يتكرر الحلم ثلاث مرات ليتيقن الفتى بأنها إشارة حقيقية لمصير مخبأ عليه أن يسعى إليه، ثم يأتي دور الرجل الحكيم الذي يفاجئه بقدر كبير من المعرفة، ليؤكد له هواجسه ويساعده في اتخاذ قرار تحقيق الحلم والبحث عن أسطورته الشخصية, يضطر الفتى لبيع أغنامه في سبيل تحصيل المال اللازم للسفر.
ينطلق الشاب في رحلة طويلة وشاقة ينهل خلالها من تجارب الحياة ومغامراتها، تُسرق منه أمواله فيضطر لتأجيل حلمه سنة كاملة، حيث يعمل في محل للكريستال ليجني المال، ويتابع رحلته من جديد، فينضم لقافلة الوصول لمصر فيصادف أشخاصاً مثله يسعون لأحلامهم، كما أنه يشهد حرب القبائل، إلى أن يلتقي بالخيميائي، وهو الإنسان الذي يستطيع تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، فيساعده برحلته في الصحراء، ويعلمه كيف يمكن تحويل أي شيء لا قيمة له بالصبر والتجربة والاجتهاد إلى أشياء ذات قيمة..
خلال الرحلة يواجه الشاب الكثير من الصعوبات والعقبات والأخطار التي تبعث في نفسه التردد والخوف وتحاول ثنيه عن هدفه، لكن الإيمان بالحلم والإصرار والسعي كانت أدواته للحصول على مبتغاه، ولعل هذه الصفات هي الكنز الحقيقي الذي حصل عليه، فالمفارقة أن الرؤيا تحققت في المكان الذي بدأت به، فالكنز الذي حلم به وقطع المسافات الطويلة للحصول عليه كان مدفوناً تحت
الشجرة ذاتها التي أتته الرؤيا وهو نائم في ظلها، فرحلته الطويلة كان هدفها الكنز الروحي، وحين حصل عليه استحق الكنز الآخر، المال.
عناصر الرواية
اتبعت الرواية المنهج التقليدي في سرد الأحداث: البداية، العقدة، الصراع الذي يمهد للنهاية،
واعتمد الروائي في سرد أحداث الرواية على اللغة التصويرية والوصف في أغلب المشاهد، حيث تمكنت شخصياته من خلال استخدام الجمل القصيرة من إيصال دفق كبير من الدلالات والمعاني التي تختزل تجارب الحياة وفلسفتها، واتسم الحوار بالسلاسة والوضوح والقدرة على التعبير عما يريد الروائي إيصاله ببساطة غير ساذجة، كما اعتمد المونولوج للتعبير عما يدور في دواخل الشخصيات.
اختار الروائي الزمن القديم لأحداث الرواية، أيام كان العرب يفكرون بحكم الأندلس، وهذا مادل عليه حوار الشخصيات، وكان للمكان دور بالغ الأثر في الأحداث، فمن الأندلس ومدى تأثيرها في شخصية الفتى إلى طنجة فالصحراء التي تزخر بالأحداث الهامة التي أغنت الرواية إلى الواحة وحرب القبائل ثم الجيزة والأهرامات التي تدل على قرب انتهاء الأحداث.
المعاني والميزات
تميزت الرواية بالترميز لمعان مهمة وكبيرة، الخيميائي: وهو الإنسان القادر على تحويل المعدن الرخيص إلى ثمين، إضافة إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر، في دلالة عميقة على أن كلاً منا في داخله خيميائي يستطيع تحويل أي شيء لا نشعر بقيمته إلى نفيس قيّم بدءاً من ذاتنا الإنسانية، ويتم ذلك بالبحث والاجتهاد والصبر، الروح الكلية: بمعنى أن الكون بكل مكوناته هو من صنع روح واحدة, وكلنا ننتمي لهذه الروح، الأسطورة الشخصية: وهي الرحلة التي على كل إنسان أن يبحث عنها في هذه الحياة لرسم طريقه وتحقيق حلمه والوصول إلى هدفه بالتصميم والإرادة..
لعل مايميز الرواية إضافة لجماليتها وقدرتها على التأثير في القارئ، تأثر الراوي بالعرب ومقاربته لهم، وانفتاحه على حضارتهم، فالروح العربية حاضرة بقوة في الرواية، فحبيبة البطل فاطمة العربية التي أحبها وتمسك بها حتى تزوجها، الخيميائي، محور الرواية وأساسها ومصدر الحكمة فيها، وهو معلم الفتى، كان رجلاً عربياً، إضافة إلى رسم صورة مشرقة عن العرب في أكثر من إشارة، من خلال تصويره لتعامل العرب والشهامة والقوة التي تلازم الشخصيات العربية، كما أن هناك الكثير من المعالم والملامح الشرقية، كالصحراء والقبائل والأهرامات.
استطاع الروائي من خلال العمق الوجودي الفلسفي المؤثر، وقدرته اللغوية على التشويق وتتابع الأحداث بسلاسة، أن يخلق لنا عالماً روائياً متميزاً يحمل الكثير من العبر.
في ضوء الرواية
يقول باولو كويلو: (أنا أعشق الصحراء التي تعرفت عليها للمرة الأولى خلال سفري إلى المغرب، غير أن زيارة مصر أثرت فيّ كثيراً, ذهبت ذات ليلة لرؤية الأهرامات برفقة صديق مصري، كان المشهد ساحراً هناك، فطلبت منه أن يتلو شيئاً من الصلاة، فتلا آية رائعة (اهدنا الصراط المستقيم) بما معناه، يارب إن حدت عن الدرب المستقيم أعدني إليه، كانت زيارة الأهرامات تجربة روحية شبيهة برحلة الحج التي قمت بها سابقاً، حاولت استحضار الشعور الذي انتابني هناك في نهاية رواية الخيميائي، في البداية لم تبع الرواية أكثر من 900 نسخة، فأعاد الناشر إلي حقوق التأليف لأنه اعتبره عملاً فاشلاً، يومذاك تذكرت تلك الصلاة، يارب إذا حدت عن الدرب المستقيم فأعدني إليه،وتذكرت ما كتبت في الرواية، إذا أردنا شيئاً بشدة فإن كل مافي الكون سيساعدنا على الحصول عليه،طرقت أبواب الناشرين إلى أن وقعت على ناشر برازيلي قبل إعادة طباعة الرواية، إصراري على نشر الرواية مجدداً هو عودتي إلى الدرب المستقيم، هو طريقي التي وجدت، والتي سمحت لي بتحقيق حلمي..)
صدر الكتاب للمرة الأولى عام 1988، دخل موسوعة غينيس كأكثر رواية مترجمة لكاتب على قيد الحياة, ترجم لأكثر من 67 لغة مختلفة، وبيع منه أكثر من ثلاثين مليون نسخة.
هديل فيزو