ثقافة

“جذور اليوكا” الكتابة وتجربة المنفى

كولسي لامكو من مواليد 1959من أصل تشاوي كاتب مسرحي, شاعر, وروائي, ومحاضر جامعي.غادر بلاده هرباً من الحرب الأهلية فيها إلى بوركينا فاسو، ثم إلى رواندا وتوغو وساحل العاج وفرنسا قبل أن يستقر في المكسيك. قضى عشر سنوات في تشجيع المسرح في بوركينا فاسو من خلال مسرح الجماعة، وساهم في تأسيس المهرجان الدولي لمسرح التنمية. وقد نشرت بعض قصائده في المجلة نوار عام 1994, وفي عام 1997 شارك في إصدار ألبوم بيركي مبو الشعر المختلط والموسيقى. كانت أطروحة الدكتوراه له في علم جمال المسرحية الناشئة في إفريقيا, قادته خبرته في رواندا لكتابة رواية “فراشة التلال” تدور حول الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994، وله العديد من المسرحيات: المرابح بس, لو يذكره الرقص والقصص القصيرة والحكايات.
ترددت, كان لقصتي في البداية هدف تربوي, قصة بحث عن مصدر إلهام, قصة روتها لي إحدى الصديقات. لم يكن يحق لي بالضرورة نشرها. لم تكن مدعاة تسلية للجماهير. الآن اضطرّني الأمر لتلاوتها.
“المنفى, يعني قبل كل شيء الألم. هو الجحيم، ولكن أيضا هو الجنة عندما تجد التضامن” هكذا يقول الإفريقي كولسي لامكو, المحاضر الجامعي في علم الجمال المسرحي والمرتحل منذ ثلاثين سنة في عدة قارات والمقيم حاليا في المكسيك.
في روايته الأخيرة, يستوحي الكاتب لامكو من مساره الخاص لبلورة أفكار حول الترحال والأمل.
الراوي في كتاب “جذور اليوكا” الذي هو في الواقع كاتب أفريقي أصيب بمرض خطير, يهاجر إلى المكسيك لاستعادة قواه بعد إصابته بحساسية من الورق “وهو مرض كان يعاني منه لامكو” دخل في “مسار وهمي يكاد يكون غير قابل للانعكاس”. التقى في منفاه  بتيريزا إحدى الناجيات من حرب غواتيمالا التي قرأت عليه قصتها المكتوبة في “دفتر مدرسي أزرق كبير”. يقرر الكاتب الراوي الذي تأثر بالقصة مساعدتها على هيكلتها، وحينها سرعان ما تطارده قصته الخاصة، هناك, في المكان الذي يسميه “بلدي النتن الذي أعبد”. تعاوده ذكريات عن عمليات اختطاف, واغتصاب وقتل وخيانة. هذه العودة إلى البلد تعيد أيضا إحياء ألم المنفى الأول, القطيعة الأساسية لدى كل شخص, القطيعة مع الطفولة. يجد لامكو نفسه أمام ضرورة تحديد حيزّ الكتابة الذي يعبّر فيه عن مخاوفه، يجد نفسه أمام ثلاثة أمكنة. الأول حيّز الكتابة نفسها الذي يتّضح من خلال كلماته بأنه نظام ضد نماذج أرساها رواد الأدب. الثاني هو حيز القصة. أما الثالث فهو الماضي الفردي الذي يصوره كفراغ لا يمكن قياسه, وغامض, يحاول الكاتب احتواءه عبر الشعر المتصوّف.
الراوي الذي لقّحته رغما عنه كافة مآسي العالم, لا يمكنه الاكتفاء بحيز تعبيري واحد. عليه منح الحياة لكافة القصص الصادمة,  وقصص البشرية جمعاء, مثال أعلى يجد صعوبة في تصديقه، وذلك وسط الألم، وفي هذا المكان المحدد من مساره الأدبي يتحول إلى جلاد نفسه، فمع أن الطبيب منعه من لمس الورق دون وضع قفازات, ها هو يشعر بحاجة أقوى منه للمس هذه المادة، ويداه العاريتان تجعلان من جلده الرابط بين جسد النص وجسد الكاتب، وكذلك بين جسد الكاتب والجسد الاجتماعي.
يمطّ الكاتب ويمزّق الجلد, هذا الغشاء الذي يحتوي على كلمات. الجسد بكامله “يتألم, يلهث, يحتضر, يتمزق, يموت على ذاته”. التطهير النفسي مستحيل في رواية تتسبّب فيها الشخصية الأساسية بالقطيعة القصوى,لأن إصرار الكاتب على معاندة مرض نفسي جسدي خطير يسلبه القدرة على الكلام. ونتيجة إعاقته لا يعود قادراً على تسجيل روايته على الآلة، هو الذي كان يريد العودة إلى التلاوة الشفهية لاستعادة “لغة الأم” هذه المادة التي تربط البناء، التي تتم خيانتها واستبدالها بـ لغة البشاعة, قد قطع نهائيا الجسور مع العالم.
بعد إيوائه في إحدى المستشفيات يجد نفسه وحيدا أمام أشباح الكلاب الذين يمثلون في حياة الطغاة الامبرياليين الجنود…., في مواجهة فراغ العجز عن الكتابة والشفاء، وفي مواجهة الموت الذي يترصدّه في أدنى ملامسة مع الورق. ويستسلم الكاتب, بصورة شبه آلية لإيمائية مدمرة, يستعيد من خلالها الأمراض نفسها التي تعاني منها شخصية “روايته الإملائية” غير المنصوصة وغير المكتوبة.

إبراهيم أحمد