“ستون عاماً من الشعر”.. غنائيات نظمي عبد العزيز في ندوة حوارية
أغنى الشاعر نظمي عبد العزيز المشهد الثقافي والفني عبر سنين طويلة بقصائده الجميلة التي غنتها أكثر من 90 حنجرة، لأن الغنائيات تحمل همنا وحلمنا وطموحنا، ولأننا بها نرسم فضاءنا الأرحب، وتخفف من وطأة الراهن وقبحه وتجعل الحياة أكثر احتمالاً. فُتح ملف الشاعر لمسيرته الممتدة على مساحة 6 عقود جمعت ما بين زمن يكنّى بالجميل وراهن متهم بالانحطاط، وتجربته الفنية المتنوعة والمغرية للتداول والبحث والدراسة والرصيد، ولأنها تجربة لا تزال تنضج وتعطي المزيد، احتفى عبر غنائياته بالوطن والقضية، وبالحب والإنسان والخير والجمال، في ندوة حملت عنوان “ستون عاماً من الشعر، غنائيات نظمي عبد العزيز” أقيمت في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) حاور فيها الإعلامي ملهم الصالح كوكبة من الضيوف “الفنان فاضل وفائي، والموسيقي نبيل أبو الشامات، والفنانتان سمر وريم عبد العزيز، في محاولة لتوثيق حواشي وهوامش من شأنها أن تضيف على تجربته.
مسيرته وديوان جديد
أسس الشاعر نظمي عبد العزيز مع الملحن عدنان أبو الشامات وعدد من الفنانين فرقة للاستعراضات الغنائية والتراثية، وقدم عدداً من البرامج في إذاعة حلب، كما شارك في عدد من المسلسلات السورية مثل “خان الحرير” و”الثريا” و”قلوب خضراء” وتم تكريمه من قبل جهات ثقافية عديدة، في رصيده أكثر من 3000 أغنية موزعة بين فصيح وزجل، وتناول شعره أكثر من 30 ملحناً، وسجلت أعماله في إذاعة حلب ودمشق وإذاعة بي بي سي، وكذلك التلفزيون العربي السوري وأغلب القنوات الفضائية اللبنانية، لكن لغاية اليوم لم يصدر له إلا مجموعة شعرية واحدة، فيجيب:
لكل شخص من اسمه نصيب، وأنا كنظمي منظم بكل شيء إلا بتنظيم أشعاري، لم استطع أن أجمعها في ديوان، ودائماً كنت أتهاون إلى أن ألّح صديق لي وجمع قصائدي وطبعها في بيروت، وقد أعجبت بالفكرة وقررت طباعة دواوين أخرى، ويمكنني أن أصدر أكثر من خمس دواوين فأنا أملك الكثير من القصائد والأشعار.
مع العمالقة.. ولكن
كان للشاعر نظمي عبد العزيز ثلاث تجارب يائسة مع عمالقة الغناء من النساء هن:
أم كلثوم: كان الفضل بدخول نظمي عبد العزيز إلى عالم الفن لوزير الثقافة الراحل فوزي البيرق عندما ذهب إلى مصر عام 1961، وقابل السيدة أم كلثوم وشاهد صورة جمال عبد الناصر –الذي كان يحبه كثيراً- معلقة وراءها قال لها “استحلفك به أن تزوري سورية ووعدته خيراً”، وعندما جاء إلى حلب أخبر الشاعر القصة، وقال “اكتب قصيدة أريد أن أقدمها لأم كلثوم”، وكتبت القصيدة خصيصاً ولكن الزمن لم يسمح، لأن أم كلثوم غادرت الدنيا ولم تزر سورية، وكانت قصيدة “أنت أمامي” من نصيب الفنان الكبير نجيب السراج.
فيروز التي شكلت عالماً من الجمال والإبداع والحس عند الشاعر نظمي عبد العزيز فهي القيمة الأعلى والأجمل والأروع، ولم يكن يفكر أن يكتب لها أبداً، وفي عام 1962 كتب قصيدة بعنوان “كنزة” لحنها مع الموسيقار إبراهيم جودت وقررا أن لا تعطى هذه الأغنية إلا لمن يمتلك صوتاً يشبه صوت فيروز إن لم تكن هي بذاتها، وللأسف بقيت هذه الأغنية معلقة منذ ذلك الحين لغاية اليوم.
نجاة الصغيرة كانت كالضوء المسموع، وبفضل صحفي –صديق للشاعر- نشرت الكثير من القصائد في مصر، وأعجبت السيدة نجاة بإحدى القصائد وقررت أن تغنيها بصوتها، ولكن للأسف انقطع الخبر ولم يعرف ماهيته حتى الآن.
شهادات
وقدمت في الندوة العديد من الشهادات بالشاعر عبد العزيز إذ قال الفنان غسان مكانسي عنه أنت “ملك الكلمة الإنسانية، كلمتك نابعة من قلبك، أنت الشاعر الذي نرفع فيه رأسنا، شهادتي مجروحة أنت كبيرنا وأنت ثروة كبيرة للوطن، بيتك كان صالوناً للفنانين”.
الفنان صفوان العابد: “هو الحجر الأساس للشيء الذي اسمه الشعر الغنائي، أدامه الله ذخراً لسورية، إنسان معطاء وأخلاقي ورائع، ويكفي أنه يتعامل مع الشعر بإنسانية وأخلاقية ومحبة، ونحن نحبك”.
الباحث عثمان حناوي: “الأستاذ نظمي من الشعراء الراقيين والجميلين، يملك كتابة ذات حس رائع جداً، له الفضل في الأغنية السورية وغنى له العظماء منهم: مها الجابري وسمير حلمي والراحلة كروان والفنان إلياس كرم، واليوم نحن نحتفل به كشاعر سوري كبير يتحفنا بإنجازاته الكثيرة”.
المطرب شادي جميل: “هو المعلم ومربي الأجيال، أعتبر أن حظي جميل لأنني حظيت بكلمات وقصائد وأغاني من هذه القامة العظيمة”.
ومن لبنان أدلى الفنان إلياس كرم بشهادته في الشاعر إذ قال: “تعرفت على نظمي عبد العزيز عندما كنت في حلب، واستضافني في بيته، كان يسمع ويعطيني وزن الإيقاع بيديه، أحببته هو وعائلته وأصبحت أزور حلب دائماً لأراهم، وبعدها تم التعاون بيننا، وكتب لي قصيدة “تيهي صبا” ولحنتها ونجحت هذه الأغنية نجاحاً عظيماً وكانت من أوائل الكليبات في الوطن العربي”.
جمان بركات
الشاعر الغنائي نظمي عبد العزيز ابن حلب الشهباء اتخذ من الأغنية السورية موقفاً صارماً ورفض تأليف الشعر الغنائي إلا باللغة الفصيحة أو باللهجة السورية المحكية، لتبوح مفرداته بإخلاصه وانتمائه المتجذر إلى سورية منذ الستينيات، في الوقت الذي انتشرت فيه الأغنيات على مدى مساحة الوطن العربي باللهجة المصرية، وهذا ما أبقاه ضمن الإطار المحلي ولم يأخذ حقه من الشهرة التي يستحقها عربياً. نظمي عبد العزيز الذي جمع في رصيده الشعري ثلاثة آلاف أغنية، تنوعت بين الوطنية والدينية والعاطفية. وبدا تأثره الشديد بالشعر الأندلسي بتأليفه أجمل الموشحات مثل “هل وفى بالعهد خل، ويا غائباً لايغيب” وبالمناجاة الدينية والأدعية مثل “جدّ لنا بالعفو”، والملفت أيضاً في مسيرته التي تجاوزت ستة عقود التغيير الكبير الذي أحدثه بالأغنيات الشعبية كـ “الدلعونا” إذ غيّر مفرداتها وجعلها ذات وزن ومعنى، إضافة إلى كتابته الاسكتشات والمسرحية والقصة القصيرة والمشاركة في الأعمال الدرامية الحلبية. وكوّن مجموعة فنية مع سمير حلمي وعدنان أبو الشامات وإبراهيم جودت. ولم يتوقف عند حدود الفنّ والأدب، إذ كان منزله في حلب موئل القامات الفنية والموسيقية والأدبية، كان أشبه بصالون أدبي أعاد صورة عنه بحضوره الآسر مع الضيوف ومشاركته الحوار مع مدير الندوة الناقد ملهم الصالح والحاضرين بكل المحاور السابقة بهذه الندوة، التي هيمنت عليها روح حلب التي تشرق فيها شمس جديدة وتمضي نحو حبّ جديد كما قال. والأمر اللافت الحضور الكبير مما يثبت أن الجمهور الثقافي يقبل على متابعة الندوات النوعية التي تتصف بالطابع الاجتماعي والثقافي وتُعنى بالجانب التوثيقي والتسجيلي بالاعتماد على الصورة البصرية والسمعية، فتلامس ذائقة الجمهور وتكون قريبة بلغتها من جميع الشرائح. والأهم أن الندوة أثارت إشكالية إغفال حق كاتب الأغنية السورية التي مازالت تشغل حيزاً في الساحة الفنية في الوقت الراهن، فالزمن الصعب الذي عمل فيه نظمي عبد العزيز وتقاضى خلاله مبلغ خمس وعشرين ليرة على الأغنية المحكية وخمسين ليرة على الأغنية الفصيحة، مازال يتكرر بصورة أخرى الآن ومازال كتّاب الأغنية السورية يعانون مادياً ولا يجدون المقابل المادي الجيد اللائق بالنصّ الغنائي سواء أكان شعبياً أم فصيحاً، والإشكالية الأكثر إيلاماً عدم التقدير المعنوي الذي يطال الكاتب لعدم ذكر اسمه حينما تذاع الأغنية ويكتفي المقدم بذكر اسم الأغنية وربما يذكر اسم المطرب ويبقى اسم الكاتب مغموراً، وهذا من أبسط الحقوق التي مازالت غائبة أيضاً.
ملده شويكاني