ثقافة

الموسيقا السوداء الأنجلو- سكسونية الهدّامة

في 21 شباط 1965، سقط مالكولم أكس، وهو يلقي خطابه، في اليوم التالي، أعلن لووروا جونز، الذي أصدر في عام 1963 كتاباً أحدث ضجة عن تاريخ الموسيقا السوداء في أميركا بعنوان “ناس البلوز”، موسيقا الزنوج في أميركا البيضاء، عن إنشاء مدرسة ومسرح للفنون السوداء في حي هارلم، حيث سقط الناطق باسم حزب “أمة الإسلام”، وعلى سبيل الاحتجاج غيّر الشاعر اسمه ليصبح أميري باراكا.
سببّت النهاية المأساوية لمالكوم أكس تجذّر الفنانين الأفرو – أمريكيين، فيما كان قانون الحقوق المدنية يرسي مظهراً من الإنصاف تجاه البيض، بينما كان عازف الساكسفون جون كواتراس، يكمل صعوده نحو “حب أسمى” متجاوزاً وضعه ليصل نحو العالمية، وستُؤدي هذه الأحداث أيضاً إلى تغيير مجرى تاريخ موسيقي، ففي ربيع عام 1965، أسسّت مجموعة من الموسيقيين في شيكاغو جمعية تشجيع الموسيقيين الخلّاقين.
ودفعت هذه الفكرة الثورية بحفنة من الموسيقيين إلى طرح مبدأ إدارة مصيرهم المهني بأنفسهم، انتهى حسب الأصول، وجاء دور “الموسيقا السوداء الكبرى” تعبيراً عن استمرارية تاريخية، من موسيقا  “الروح” الأكثر شهوانية، إلى الارتجاليات الجذرية، ويتذكر أخيراً أحد المؤسسين، كيلان فيل كوهران، الذي أصدر عام 1967، مجموعة “ذكرى مالكوم أكس”، لدى المنتج الصغير، قائلاً: “أردنا تأكيد هويتنا وموسيقانا، وقرّرنا اعتماد قاعدة ألّا نعرّف  سوى موضوعاتنا”.
ليس من قبيل الصدفة إذاً أن يكون عام 1965 هو تاريخ بداية عمل “موسيقا الحرية والإيقاع والصوت”، إذ يقّدم هذا الكتاب الفني من إنجاز ستيوارت بايكر وجيل بيترسون، مختارات من أغلفة الأسطوانات والرسومات، وقد ضمّ مجموعة من الألحان والأغاني في قرصين مدمجين، نتعرّف فيهما على جيل، حيث يستعيد هذا الديوان، الذي أعطي عنواناً فرعياً هو “الفن الأصيل أغلفة الجاز الثوري” 1965- 1983 فصلاً غير معروف من تاريخ موسيقا الجاز.
اتخذ أورنيب كولمان وسائر مغامري الجاز الحرّ من شقق ذات سقوف عالية في حي سوهو، مسارح بديلة لمجموعات إدارة ذاتية، تطمح لإيقاظ الوعي في “الغيتو”، فظهرت ماركة تجارية مستقلة، عملت ضمن شبكة تريب ريك ورد التي تأسّست عام 1971 على يد موسيقيين من ديترويت، سعوا إلى توحيد طاقات الجماعة السوداء، وبفضل تحررها من صناعة تشجيع الإنتاجات المنقطة وصولاً إلى العدد الأكبر، انفتحت موسيقا الجاز على عالم الموسيقا المليء بالأنماط الأخرى من خلال إعادة تواصلها مع روح اللغات الموسيقية المحلية، فتحوّلت إلى ظاهرة كونية وباطنية وسياسية إلى أعلى حد، كما أن المواضيع كانت وفيرة، من نهاية الاستعمار إلى حرب فيتنام و”استثمار السود” (وهو تيار ثقافي وتجاري ارتكز على إبراز السود)، وبالطبع الحقوق المدنية، وكانت مجموعة “آخر الشعراء” تتسكع في شوارع نيويورك، وترسي قواعد موسيقا “الراب” المستوحاة من أغان جاءت من سجون جنوب الولايات المتحدة، في الوقت الذي كان عازف الساكسفون أرشي شيب، يصدر “اتيكا بلوز” كجنازة لسجن اتيكا السيئ الذكر. اختار آخرون المنفى، على غرار دون شيري، بينما التحق غيرهم بتنظيم “الفهود السود”، وشارك عديدون في مهرجان إفريقي مشترك نُظّم عام 1969 في الجزائر العاصمة. بعد أكثر من أربعين عاماً لا تزال هذه الأسطوانات التي طالما صدرت بأعداد محدودة من النسخ، مرغوبة كثيراً من أصحاب المجموعات الموسيقية النادرة، فالرسالة التي حملتها، لا تزال راهنة، وخير دليل أنّ مهرجان (سونس) في شتاء عام 2010، أحيا ذكرى اثنين من وجوه تلك الحقبة: السينمائي ميلغن فان بيبلز الذي أُعيد عرض فيلمه الذي حقق شعبية كبيرة على شكل أوبرا مع موسيقا الجاز، ورسّام الخطوط إيموري دوغلاس، الذي شاهد عام 2010 عرض رسومه السابقة خلال مسرحية بعنوان “ألسنة النار”.

إبراهيم أحمد