مع بدء عروض مسرحيته “بياع العسل” اليوم.. عـبـد الـسـلام بـدوي: جـمـهـور الـطـفـل مـظـلـوم
لا يخفي المخرج عبد السلام بدوي مخرج مسرحية الأطفال “بياع العسل” والتي تبدأ عروضها اليوم على خشبة مسرح الحمراء ضمن مهرجان مسرح الطفل الذي افتتح أمس أن المهرجان تحول إلى تقليد سنوي ينتظره الأطفال والمسرحيون بفارغ الصبر، وقد نجح في استقطاب جمهور كبير من الأطفال وأصبح متنفساً جميلاً لهم في عطلتهم الانتصافية.
بياع العسل
عبر نص للفنان زهير بقاعي مكتوب بطريقة السهل الممتنع وحوار بسيط وقريب من الطفل يبيّن لنا بدوي أنه حاول إيصال الإرشادات التي تضمنها نص “بياع العسل” بطريقة فنية تغري الطفل من خلال نص يدعو إلى الأمل والمستقبل والنشاط عبر تركيزه على قيمة العمل وأهميتها في حياتنا، بغضِّ النظر عن نوع هذا العمل إلى جانب دعوته للحفاظ على البيئة، لأن كل شيء في الحياة له معنى وأهمية، وبالتالي يجب الحفاظ على الطير والشجر، وأكد بدوي أن إيصال هاتين الرسالتين للطفل وتقبّله لهما في شكل فني صحيح هي مهمة مسرحية “بياع العسل” بحوارها البسيط جداً الذي يأتي على لسان أهل الريف.
مشهد بصري
وانطلاقاً من إيمان بدوي بأهمية القيمة الفنية للعمل يحرص على تقديم مشهد بصري بحيث تكون جميع عناصر العمل المسرحي متوازية ضمن خط واحد كقيمة درامية واحدة، ليشاهد الطفل عملاً فنياً يتوفر فيه الديكور والسينوغرافيا والموسيقا والمكياج والأزياء..الخ، إلى جانب إبداع الممثلين في أدائهم، وكل ذلك بهدف أن يتقبل طفلنا الرسائل الممرّرة إليه عبر هذا العمل بشكل ممتع ومغرٍ له، ولذلك جاء البيت في المسرحية على شكل خلية نحل التي نعرف مدى نشاط النحل فيها وهي رمز العمل والنشاط، ودعوة من المسرحية ليكون النحل نموذجاً لنا في العمل والنظام، أما العسل في المسرحية فهو ليس العسل الذي تقدمه لنا النحلة وإنما هو العمل وكل شيء جميل في حياتنا، فالعسل كما فيه شفاء للناس فإن العمل أيضاً طاقة ودواء للناس للكثير من الأمراض، ومجتمعنا لا يتعافى إلا من خلاله.. ولأن الطفل يهمه الجمال بالدرجة الأولى فمن الضروري برأي بدوي أن يحرص كل مخرج على تقديم أعماله بشكل فني متقن، لأن الرسائل لن تصل حينما يكون الشكل الفني للعمل المسرحي الموجه للطفل غير متقن، وهذا ما سعى إليه بدوي في مسرحية “بياع العسل” ضمن الظروف المادية المتاحة، ولتعويض أي نقص في هذا الجانب أولى أهمية للتفاصيل الصغيرة في عناصر الجمال على صعيد الأزياء الجميلة والبسيطة في الوقت ذاته، وكذلك الديكور والموسيقا التي قدمها.
الفكاهة والطرافة
وبعد سلسلة من الأعمال التي قدمها بدوي على خشبة مسرح الطفل والعرائس يحاول اليوم من خلال “بياع العسل” تجاوز تلك الأعمال ليكون تحديه هذه المرة في تقديم عمل مسرحي للطفل تحتل الفكاهة والطرافة فيه مساحة كبيرة، ولكن من خلال بعض الحركات غير الممجوجة والتي تأتي ضمن اللباقة الاجتماعية، من أجل إسعاد الطفل وإدخال الفرحة إلى قلبه في هذه الظروف التي نمر بها في سورية، ليكون التحدي الكبير برأيه أن ينجح في إيصال هذه الفكاهة للطفل حرصاً على إخراجه من الجو الذي يعيشه طفلنا في البيت والمدرسة والشارع، وهذا ما جعل بدوي يبتعد في مسرحيته عن جو الأزمة من خلال التركيز على العمل والحفاظ على البيئة.
الالتزام والمسؤولية
وعن اختياره للممثلين في مسرحية “بياع العسل” أكد بدوي أن اختياره كان قائماً على مدى الالتزام والشعور بالمسؤولية ودقة المواعيد، فهذه الأمور تجعل الفنان قادراً على العطاء، ونوه إلى أن عدداً كبيراً من الممثلين في “بياع العسل” سبق وأن تعامل معهم في أعماله، وبالتالي تنطبق عليهم هذه الشروط بجدارة، بالإضافة إلى شراكتهم معه في حبهم للطفل ومسرحه، وقد اختارهم لأنهم جيدون على المستوى الأخلاقي وممتازون على مستوى التمثيل والثقافة المسرحية التي يحملونها وإيمانهم بما يقدمونه للطفل، خاصة وأن المسرح لا يغري مادياً وهم يضحون بوقتهم من أجل هذا الإيمان الذي يجعلهم يعملون في مهرجان مسرح الطفل بأكثر من عمل.
وعن جمهور مسرح الطفل يوضح بدوي أن جمهور الطفل بشكل عام جمهور مظلوم، فحضوره للمسرح قرار ليس بيده وإنما يعود لأولياء الأمور، لذلك تستغل مديرية المسارح العطلة الدراسية لتقديم هذا المهرجان والأطفال في حالة من الفراغ، والأهالي في ظروفنا الحالية ليس لديهم خيارات كثيرة لترفيه الطفل، وبالتالي يسعون لإحضار أطفالهم لحضور مسرحيات مهرجان الطفل.. وبالعموم يلفت بدوي إلى أن جمهور مهرجان مسرح الطفل يكاد يكون هو نفسه جمهور الأعمال المسرحية التي تقدم على مدار العام.
الأمر سيان
وعن خصوصية المشاركة في المهرجان لا يخفي بدوي أن التحضير له تتحكم فيه جملة من الظروف والإمكانيات المادية، لذلك فإن أي مخرج يقدم عملاً للمهرجان تحكمه هذه الظروف، وخاصةً توقيت عرض العمل، وبالتالي سواء أكان جاهزاً أو غير جاهز سيحاول المخرج تقديم عرضه، محاولاً قدر الإمكان تحضيره بالشكل المناسب، أما خارج موضوع المهرجان فيعترف بدوي أن عمله وطريقة تحضيره له تختلف بحيث يعمل بتأنٍّ وهدوء حتى لو استهلك ذلك وقتاً طويلاً، وبالتالي لا يقدم عمله إلا في التوقيت الذي يختاره هو، أما على صعيد السويّة الأدبية والفنية التي يحرص على تقديمهما فالأمر سيّان سواء أكان العمل للمهرجان أو غير المهرجان.
ويسعد بدوي أن الجهات المعنية، وخاصة مديرية المسارح والموسيقا تركّز اليوم على مسرح الطفل من خلال التطور شبه الملحوظ في آلية تعاملها مع هذا المسرح، فاليوم أصبح له أولويات وصار يقام له مهرجان بغض النظر عن سوية المهرجان الذي من الممكن أن يكون من أهم المهرجانات العربية والدولية لولا الحرب على سورية.
بعد غياب
عاد بدوي وهو الذي انشغل لفترة طويلة بمسرح العرائس إلى مسرح الكبار للصغار من خلال “بياع العسل” بعد غياب طويل حيث قدم آخر أعماله في هذا المجال تحت عنوان “أحلام نجمة” 2007 وعن هذه العودة يبين أنه وبعد عدة تجارب في مسرح العرائس كان آخرها “حيلة أرنوب لطرد الثعلوب” 2015 قرّر العودة لمسرح الكبار للصغار من خلال “بياع العسل” بعد أن استنفذ استخدام الدمى الموجودة في مسرح العرائس في جميع أعماله في ظل غياب مصممي الدمى في هذا المسرح، إذ شعر أن الدمية لم تعد تغري هذا الطفل بعد أن شاهدها في كل الأعمال، ولإدراكه أن استمراره في هذا المسرح على هذا النحو لن يقدم شيئاً جديداً للطفل، فقرّر التوجه لمسرح الكبار للصغار لتحقيق التواصل المباشر مع الطفل وإيصال الرسائل المراد إيصالها مباشرة له دون وسيط (دمى) رافضاً تقييم الأعمال المسرحية الموجهة للطفل ومدى التأثير الذي أحدثته على أطفالنا، وذلك برأيه لا يتم الآن وهو يحتاج لوقت طويل، لأن التأثير لا يحدث إلا بفعل التراكم ومن خلال مجموعة من الأعمال والأفكار التي تقدّم للطفل على مدار سنوات طويلة .
ويختم بدوي كلامه بأن كل الأعمال التي قدمها في المسرح هي محاولة للوصول إلى الطفل والتأثير، وهو مؤمن بأطفال سورية الذين رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها مصرّون على الفرح والذهاب إلى المدرسة واللعب وممارسة حياتهم الطبيعية ليكونوا الأمل الذي نستمد منه سعينا للعمل والتفاؤل.
يشارك في مسرحية “بياع العسل” الفنانون: زهير بقاعي-نهاد عاصي- رشا الزغبي- ايفا حاجي بيك- تماضر غانم- ابراهيم عيسى.
أمينة عباس