يوجين ماريا فاجاني: ما فعله الموسيقيون السوريون يشبه تشكيل جوهرة ماسية
“ما فعله الموسيقيون السوريون يشبه تشكيل جوهرة ماسية” هذه المفردات قالها عازف الأورغن الإيطالي العالمي يوجين ماريا فاجاني بعد أمسية افتتاح أسبوع الأورغن ملك الآلات الموسيقية بالفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، لأول مرة في سورية بالتعاون بين وزارة الثقافة والمعهد العالي للموسيقا ومهرجان الأرض المقدسة في دار الأوبرا بحضور وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد وجمهور نخبوي كبير انتظر طويلاً الإنصات إلى أصوات وأبعاد هذه الآلة الكنسية الضخمة التي يتطلب العزف عليها مهارة فائقة، لاسيما أن العازف يستخدم الأطراف الأربعة الأيدي على لوحة المفاتيح التي تشبه لوحة مفاتيح البيانو، والأرجل على الدواسات التي لها دور في التحكم بالآلة وبإصدار أصوات مختلفة، فكيف إذا كان العازف فاجاني الذي حقق شهرة عالمية بالأداء والارتجال والتأليف. وقد قابل تفاعل الجمهور السوري معه بمحبة وحرارة، ومما زاد من جمالية الموسيقا فنية الإضاءة باللون الأحمر التي انعكست على خلفية المسرح لآلة الأورغن.
حضور الأورغن المختلف
اختار باغبودريان عملين الأول للمؤلف جوزيف يونغن-1873-1953″ سيمفوني كونشيرتانته مصنف رقم 81لآلة الأورغن مع الأوركسترا، المؤلف من عدة حركات فشغل الحيز الأكبر من الأمسية، وتميّز بحضور كبير للأورغن بشكل منفرد في مواضع وبتناغم مع آلات النفخ الخشبية وآلات الأوركسترا في مواضع أخرى، فبدأت الفرقة بالحركة الأولى حيوية ومعتدلة من مقام الدوريان الذي يقابله مقام النهاوند الكبير، واتسمت بانتقالات موسيقية بين آلات الأوركسترا مجتمعة والأورغن وبينه وبين الوتريات، ثم ديفيرتيمينتو(تسلية)، تلتها حركة بطيئة جداً رائعة هيمن عليها الهدوء الموسيقي التدريجي مع لحن الفلوت وفواصل الباصون، وتعرّف الجمهور إلى الحركة الأجمل “توكاتا” حركة مستمرة، وتعني باللغة الإيطالية اللمسات السريعة للأورغن مع دور النحاسيات وضربات التيمباني، لينتهي العمل بنهاية تصاعدية ساحرة، وبارتفاع مستوى الصوت بتأثير الصنجات والطبل الكبير والتفاعل الحيوي الكبير من قائد الأوركسترا باغبودريان مع أعضاء الفرقة، تميّز العمل أيضاً بدور نغمات الهارب في مواضع معينة. والعمل الثاني للمؤلف كامي سان سان 1835-1921عازف الأورغن الأساسي في الكنيسة الباريسية وعازف البيانو أيضاً بحضور الأورغن بأسلوب مختلف، لاسيما أن العمل بمشاركة البيانو للعازفين راما نصري وفادي جبيلي اللذين اشتركا بالعزف، فكانت مشهدية موسيقية متكاملة، واستخدم العازف فاجاني الوقفات الموسيقية بضربات مفاتيح معينة بصوت قوي.
ارتجالات
مفاجأة الأمسية كانت بارتجالات فاجاني التي اشتُهر بها عالمياً فأراد أن يقدم مقاربة من الموسيقا السورية، لتؤكد لغة الموسيقا بأنها دائماً رسالة محبة وسلام تجمع بين الشعوب الصديقة بعيداً عن كل مظاهر العنف، فبدأ عازف التشيللو محمد نامق بعزف لحن”يا الأسمراني” ليقابله فاجاني بارتجال مباشر يقترب من روح اللحن على أبعاد أصوات الأورغن، ثم أضاف مستويات موسيقية أخرى بحركات سريعة ليعود بعدها إلى اللحن الهادئ والرقيق، واعتمد على الفواصل القصيرة بضربات على بعض المفاتيح بأصوات مختلفة. والأمر الجميل دمج الحب الخاص بالحب العام إذ صادف يوم أمسية الافتتاح تاريخ عيد ميلاد زوجته فعزف لها من سورية مقطوعة”ميلاد سعيد” شاكراً الجمهور السوري على تفاعله معه.
حرفية ومهارة عالية
وأعرب يوجين ماريا فاجاني الذي سُمي مستشاراً فنياً لمهرجان الأرض المقدسة للأورغن عن سعادته بلقاء الجمهور السوري الذي جعله يشعر بكثير من الحبّ والمتعة والتشويق وهو يعزف، وأنه من الصعب أن يصف شعوره تجاه ما لمسه منه من تقدير واحترام فائقين، وبأن الشعب السوري محظوظ بوجود دار الأوبرا، والفرقة السيمفونية الوطنية السورية التي استطاعت الاستمرار رغم كل الأوضاع الصعبة التي عاشتها سورية.
وعن رأيه بتفاعل أعضاء الفرقة معه وبما قدموه في هذه الأمسية أجاب بأن ما فعله العازفون السوريون يشبه المعجزة، إذ تمكنوا من عزف هذه الأعمال الصعبة بحرفية ومهارة عالية وبتحكم دقيق من قبل قائد الفرقة المايسترو ميساك باغبودريان، وقدموا كل ما لديهم لأنهم يحبون سورية بحق، وشبه مهارة العمل الجماعي للعازفين بأمسية الافتتاح بصعوبة جمع أحجار الماس الصغيرة لتشكيل قطعة مجوهرات ماسية.
وسألته عن الاختلاف بين حضور الأورغن في الكنيسة -لاسيما أنها آلة كنسية – وبين مسرح الأوبرا الذي يتمتع فيه العازف بحرية أكبر؟ قال: إن الاختلاف يكمن بالمساحة وبحجم المكان ككل،ففي الأوبرا فضاء أوسع للأورغن الذي يتطلب مساحة لحجم الآلة الكبير بحضور جميع آلات الأوركسترا، أما في الكنيسة فنسمع ألحاناً مختلفة ضمن مناخات موسيقية خاصة، لكن في كلا الحالتين الفكرة الموسيقية واحدة.
وعن مشروعاته القادمة تحدث: سأعود إلى وطني، ومن ثم سأسافر إلى عدة بلدان منها صربيا وسويسرا وألمانيا وإسبانيا وبولندا، وسأخبر كل العالم عن تجربتي مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، التي أعدّها أهم وأقدس أوركسترا في العالم لإيمانها برسالتها الموسيقية ولاستمرارها وحفاظها على مهارة عازفيها رغم تعرضها لصعوبات.
ووجّه فاجاني رسالة إلى الشعب السوري الذي أُعجب بصبره وقدرته على الاحتمال عبْر صفحات “البعث” قائلاً:”إنني صديق مخلص ومحبّ لسورية ولكم، ابقوا صامدين وأقوياء واستمروا، فبعد الأيام المظلمة لابدّ أن يأتي النصر، وبعد الغيوم والأمطار ستشرق الشمس من جديد.
ملده شويكاني