ثقافة

حين يترفع الحب

ليس للحب يوم، بل له كل الأيام، ومطرحه دائمٌ في العيون والقلوب لا يبرح أبداً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقيد الحب ونقيم حوله الحواجز، فهو فضاء رحب عابر للحدود لا يأبه بقيودنا ولا يعترف بها، فتراه يبتعد عن القوالب الجاهزة بل ويمقتها، ويخلق عالمه الخاص وعباراته الفريدة التي قد تناسب عاشق ولا تناسب سواه، فكما لكل محبوب “حبيبته” كذلك لكل عاشق مفرداته و”حبه” الخاص به، ثم إن الحب يرفض أن نحدد له يوماً دون سواه بحجة أنه أعمق من أن يرتبط بيوم واحد في الأذهان، فطموحه يرقى إلى درجة أن يرافق أوقات الإنسان كلها، وأن يحتل الـ360 يوماً من أيام العام، بل وأن يتوج ملكاً عليها، لكنه وبعد أن “نتحايل عليه” يرضى بأن نجعل له عيداً خاصاً به يوافق يوم 14 شباط من كل عام، ونسميه تيمناً به بـ”عيد العشاق”، ولكن الحب “العالم بأحوال البشر” يشترط علينا أن يكون يوم “عيد الحب” يوماً للاحتفال بالحب وليس يوماً للحب، رافضاً -وبكل وعي- التخلي عن حريته في اختيار أهل الغرام متى شاء الهوى، ولأن للهوى سلطته التي تعلو أي سلطة، نخضع جميعاً له و”نبصم له بالعشرة” على الالتزام بما يقول.
تروي لنا -منذ ذلك الوقت إلى الآن- أجيال بعد أجيال، قصصاً عن الحب والغرام  حدثت منذ تكوين الخليقة واستمرت على مر الأزمان، لنكتشف من خلالها بأن الحب كان الدافع الأساسي للحياة، وللمفارقة العجيبة فـحتى أشرس الحروب التي غيرت وجه التاريخ، كان الحب هو المحرك الخفي لها، وكان المحبون هم أبطالها الحقيقيون الذين دفعهم شغفهم إلى صنع الأساطير، فمن الحب يستقي الإنسان مساره ويختار وجهته، ومهما فاض قلبه بشتى أنواع المشاعر يعود لينحني أمام جبروت الحب بكل ما أوتي من سعادة، حيث “لا ترى العين عيباً إذا ما أحب القلب قلباً” بل ويذهب الحب إلى أبعد من هذا في صنيعه، حيث يعود المحب أمام من يهوى- مهما زادت سنينه- طفلاً وديعاً بحاجة إلى الاهتمام والكلمة الطيبة.
تمضي الأيام ولا يتوانى كيوبيد مراراً وتكراراً على الالتزام بما يترتب عليه من رمي سهام الحب على قلوب العاشقين، وخلق بذرة الود والألفة فيما بينهم، وعلى انتقاء قلب لآخر بدون أي مقدمات وبدون معرفة الأسباب الحقيقية وراء الوقوع بحب شخص دون سواه، فـ “الحب كالموت: هما اللغزان الكبيران في هذا العالم، كلاهما مطابق للآخر في غموضه، في شراسته، في مباغتته، في عبثيته، وفي أسئلته” فتسود المحبة بفعل سهام كيوبيد، ويغدو الحب شرعاً وقانوناً للمحبين، ولكن للأسف تمشي الأوقات والساعات لينسى المحبون مع “تكتكاتها” ما عاهدوا “الحب” عليه منذ البداية، ويسرقهم النسيان من التقيد بالشرط الوحيد الذي طالبهم به، ويتوقف أولئك المحبون عن اعتناق الحب خلال كل أيام السنة، وتقتصر مظاهر الحب عندهم على يوم واحد فقط هو “عيد الفالنتاين”، ولأن الحب يقول عن نفسه “الحب لا يستجدى، ولا يطلب أبداً”، يترفع الحب عن العتب ويتأمل صامتاً.

لوردا فوزي