غزوان علاف وجمعة النزهان في حضرة الجمال والوطن
تجاور العمل النحتي مع اللوحة في صالة ألف نون التي أضحى معروفا في المعارض التي تقام فيها أن إدارة الفنان بديع جحجاح ترمي لمقاصد كثيرة أولها حوار أهل الفنون في هذا الفضاء الفني الذي يوفر بيئة جديدة غير متاحة في أغلب صالات العرض التقليدية والتي تعنى بالفنون الجميلة بدمشق، كما يتوفر في هذا الجمع بين النحت والتصوير الزيتي وحدة المتلقين على بهاء المعرض الذي يجمع بين تجربة النحات المعروف غزوان علاف بقدراته الفنية الكبيرة والفنان جمعة النزهان، فالأول قادر على تجسيد مواضيع غاية في التعبير من خلال عمل نحتي معدني صغير الحجم ” نحت الحجرة ” يحتل مكانه اللائق مع بقية الأعمال الموزعة في زوايا المكان وتابلوهات العرض الأنيقة، مثلما تتوزع اللوحات بالقدر اللائق دون التشويش بين اللوحة والمنحوتة، لكن لتجربة جمعة وغزوان قياسا لا بد أن يكون مختلفا، بحيث يستحق كل منهما فضاء خاصاً، فاللوحة المشغولة بحساسية عالية عند المصور جمعة النزهان لها ما يميزها، فهي تذهب نحو قصدية الفنان الغرافيكي وفلسفة فن الحفر في الجانب التقني، ونحو مقولة الشاعر ببلاغة الشفيف الذي يلبسه حزن واضح في صمت ذلك الفنان القادم من ضفاف نهر الفرات وعمائر البيوت التي تعيش في خلده بدفء الأنفاس والحنين لها: بيوت تعيش فينا ولا نسكنها، هي غربة تجتاح الإنسان المهاجر بجسده وعناوينه وطفولته وجدران البيوت وأرواح المآذن والأقواس المعلقة والمدينة التي يحب، لم تكن دير الزور مدينة الفنان فحسب بل هي المدينة التي تفتقد الحياة ويفتقد أهلها عذوبة فراتهم الخالد، يبشرنا جمعة النزهان بالصباح والفرح.. حزنه الشفيف لم يكن مكسورا في لوحات مكتظة بالجمال والروحانية والسلام، يبشرنا أن السوري يتصف بإنسانية مبدعة ومتجذرة في الوطن والأهل.
التكوين الذي يعتمد حركة شرائط الحرير في الهواء في أغلب اللوحات حامل مؤثر للغة الفرح التي ينشدها النزهان في تلك البيوت المتراصفة كالأنفاس بين العشاق، بيوت عمّرها أهلها بالدفء والتراب والحكاية المقترنة بأسطورة نهر الفرات والمدينة المطرزة بالتاريخ والحضارة. ويراهن الفنان على إنسانية السوري لتجاوز الراهن الذي نعيشه وإزالة آثار الحرب والدمار، وما نملك من جمال في نفوسنا لن يهدمه اليأس والإحباط والهجرة، بل ستبقى الفنون والنفوس عامرة بالمحبة والثقة بالمستقبل ورسالة الجمال العظيمة.
من جهة ثانية يتجلى النحات غزوان العلاف صاحب الخبرة الطويلة في هذا المضمار، ولا أنسى يوما ماحدثني به الفنان الراحل مصطفى الحلاج وثناءه على هذا الفنان الشاب الذي يبشر بموهبة كبيرة، وقد أكدها غزوان بعد سنوات قليلة واحتل مكانته التي يستحق في المشهد التشكيلي السوري، كواحد من أهم النحاتين السوريين لما يملكه من كفاءة في الخبرة التقنية وثقافة عالية في تأليف الفكرة المبدعة والمؤثرة، فهو الفنان الجريء صاحب القلق المبدع والناقد، مثلما هو أيضا صاحب ومضات غاية في اللطف والحساسية، مجموعة من الأعمال الجديدة تخاطب عقل المتلقي وتحترم ذائقة العارف، يملؤها جدل وحوار واعٍ في التكوين والخامة والفكرة، وحضور القطعة النحتية وترافق المواد بين بعضها “برونز- خشب” “زجاج ومعدن”، تعامل بحساسية عالية واحترام للمادة ومعرفة بإمكانياتها وطواعيتها بين يدي النحات الذي يصنع قوالب العمل بمنتهى الحرفية والدقة، فكل المواد يعاملها معاملة الذهب، فهي نفيسة وغالية ولها من القيمة بقدر ما تحمل من فكر الفنان الخلاق.
أكسم طلاّع