الازدواجية والتمثيل

كثيرة الأفلام القصيرة العربية والعالمية بأنواعها الروائية، والتسجيلية، والوثائقية، والغنائية القائمة على الاختزال، والتعبير عن حالة ما، أو موقف معين، والتي تشبه سمات الرواية المختزلة التي تتقاطع معها بأوجه عدة، نراها ببرنامج “سينما بديلة” على قناة بي بي سي بالعربي، والذي يتيح للمشاهدين فرصة متابعتها، لاسيما أن أغلبها لا يعرض إلا بالمهرجانات الدولية، وتقوم فكرة البرنامج على تقديم الفيلم من قبل مقدم البرنامج، وإجراء لقاءات مع بعض المخرجين والممثّلين، أو تحليل الفيلم من قبل المقدم بعد المشَاهد، إضافة إلى عرض مقتطفات من افتتاح المهرجانات السينمائية العالمية.
واللافت أن هذه الأفلام تخرج عن إطار التقليد السينمائي المألوف لتخوض غمار المغامرة السينمائية التجريبية بأبسط التقنيات، وبأبعاد كاميرا قريبة، وأحياناً تنتمي إلى المباشرة بالطرح الذي يصل إلى المباشرة الفجة أو الصادمة، فتعبّر عن فضاءات سينمائية إبداعية لمخرجين محترفين وشباب وفق ما يسمى بالسينما المستقلة التي تناقش إشكاليات حياتية بعيداً عن مبدأ الربح السينمائي، والإبهار البصري، تتعلق بقضايا تتمحور حول موقف معين، وقد عرض البرنامج عدة أفلام قصيرة تتعلق بالذاكرة الفلسطينية، وبما يعرف “بسينما الهجرة” من خلال السينما المغربية التي تطرقت إلى واقع بعض الأسر في الخارج، وكيفية اختراق بنية الثقافة العربية التي تنسحب على التقاليد والدين والعادات في الخفاء، لنصل إلى مفهوم الازدواجية الذي ينمو داخل شخصية الرجل والمرأة نتيجة الكبت، والعنف الأسري، وقسوة الأب، ورفض نمط الحياة الاجتماعية السائدة في الدول الأوروبية، وعدم القدرة على التكيّف معها، والتمرد على مظاهرها، كأحد الأفلام الذي عرض سلوكيات فتاة تستجيب لسلطة والدها بينما تعيش أجواء حياة مغايرة تماماً من حيث السلوكيات، تقودها إلى علاقة حميمية خاصة ضمن سهرات مشبوهة تجمع بين الشباب، لتعود بعدها إلى المنزل بلباسها المحتشم الذي خلعته في الحافلة العامة، لتبدو بمظهر آخر في السهرة، ثم تعود إلى حياتها الطبيعية الأسرية وتتناول طعام العشاء مع أسرتها، لنرى بالمقابل سلوكيات تعبّر عن ازدواجية الشخصية للأب أيضاً الذي يمارس أسلوب القمع.
ولم تقتصر سينما الهجرة على الازدواجية والتناقضات بالسلوكيات الشخصية وإنما تناولت الازدواجية بالثقافة بالوجود بالمكان الغائب الحاضر، بالأقنعة التي ينجح الأشخاص من خلالها بتقمص مفردات شخصية مغايرة لحقيقتهم، ليقترب واقعهم من مفهوم التمثيل الحياتي الذي يستخدم في المنزل والعمل والشارع وفي العلاقات العامة، فيبدو أن مصطلح الازدواجية أصبح ينسحب على مواقف كثيرة، ويقترن بالتمثيل الذي لا يحتاج إلى تدريب، كما قالت المغنية الجزائرية سهيلة بلشهب التي ستشارك بالتمثيل في مسلسل”ع المخدة” في برنامج”إي تي بالعربي” حينما سُئلت أمام الكاميرا هل تلقيت دروساً بالتمثيل فأجابت نحن نمثل دائماً في حياتنا اليومية لذلك لا أحتاج إلى تدريب. لنقول إن الازدواجية وجه للتمثيل.
ملده شويكاني