“بدر الدين الحامد شاعراً وإنساناً” في ثقافي جرمانا
لا يختلف اثنان على أن قصيدة “يوم الجلاء” التي كتبها الشاعر “بدر الدين الحامد” والتي رددتها الجماهير إلى أن حفظتها عن ظهر قلب هي أجمل ما كتب عن جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية والتي يقول فيها:
يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها
لنا ابتهاج وللباغين إرغام
يا راقداً في روابي ميسلون أفق
جلت فرنسا فما في الدار هضام
طاب لي النشيد
“بدر الدين الحامد شاعراً وإنساناً” كان عنوان المحاضرة التي ألقاها د. راتب سكر مؤخراً في المركز الثقافي العربي في جرمانا، وقد توقف عند محطات من سيرة الشاعر ومشاركته في أحداث عصره وصلاته بالآخرين مثل أخيه غير الشقيق الصحفي نجيب الريس صاحب جريدة “القبس” الدمشقية، الذي رثاه يوم رحيله سنة 1951، وصديقه السياسي الوطني سعد الله الجابري الذي رثاه يوم رحيله سنة 1947 وشارك في تأبينه في دمشق سنة 1948.
نهجت المحاضرة منهجاً تاريخياً في متابعة قصائد الشاعر الحامد (1899-1961) في تفاعلها مع مجريات التاريخ الاجتماعي والوطني الكبرى وشخصياته منذ عشرينيات القرن العشرين، ومن أبرزها:
الثورة السورية الكبرى في مقاومة الانتداب الفرنسي سنة 1925 وما رافقها من خيبة أمل في تحقيق الأرَب، وقد تسربلت قصائده بالحزن الشخصي والوطني وهو يكتب عن الشهداء وبطش المستعمرين كقوله في رثاء صديقه الطبيب الشهيد صالح قنباز:
وإذا ما ذكرت طيب حديث
فاضت مدامعي بانهمارِ
كنت أرجو عذب القريض
ولكن أبكمتني عوامل الأكدار
وبيّن سكر أن هذا الحزن لم تخف وطأته حتى اشتداد ساعد المقاومة في مواجهة الفرنسيين من جديد، متوجة بتحقيق معاهدة سنة 1936 إذ يقول في استقبال الوفد السوري العائد من المفاوضات مع الفرنسيين:
الآن طاب لي النشيد
أهلاً بمقدمك السعيد
كل البلاد نواظر
ترنو وترقب من بعيد
وعراك سلم قد يكون
أشد من حرب الحديد
ومجال فكر لا يجول بساحتيه سوى الرشيد” .
وبثّت المعاهدة مشاعرَ الظَّفر والزهو في قصائد الشاعر، حتى إذا نكث المستعمر الفرنسي بشروط المعاهدة بعد ثلاث سنوات سنة 1939 عاد الحزن واليأس يتسربان إلى نسيج قوله الشعري إلى أن حملت أحداث سنة 1942 وعوداً جديدة بتحقيق استقلال سورية وسيادتها، فتأتي قصائده مؤسَّسة على تفاؤل جديد يصل ذروته في مشاركته في دمشق باحتفالات يوم الجلاء عن أرض الوطن،
وأشار سكر إلى أن منهج الابتهاج المترافق باستذكار شهيد ميسلون سيسم بطابعه قصائد الشاعر اللاحقة حتى رحيله سنة 1961.
ولفت سكر إلى أن الحامد ترك ديواناً ضخماً أصدرته وزارة الثقافة في دمشق في جزأين عام 1975 مع مقدمة بقلم صديقه الأديب أحمد الجندي الذي كتب يقول: “لقد صرف بدر الدين شعريته إلى السياسة، لأن السياسة كانت في مستهل نظمه للشعر هي المقاومة الوطنية للأجنبي المحتل، لذلك كان شعر بدر الدين في السياسة في عهد الانتداب هو الشعر الوطني الذي يمثل كفاح الأمة ونضالها ضد المستعمر”.
كما عنيت المحاضرة برؤية الشاعر العربية في مرحلة مبكرة من انتشار الوعي القومي في العصر الحديث، فذكر سكر أن الحامد كتب وهو في الخامسة والعشرين سنة 1924 قصيدة يتألم فيها لأحوال وطنه وأمته:
هذي بلاد العرب قد عبثت بها
نوب الزمان فأبكمت أطيارَها
أترى تعود لها عهود هنائها
من بعد أن أقصى الزمان خيارَها
ويتتبع بهذا الشعور القومي ما جرى في فلسطين فيرثي شهداء ثورتها سنة 1936 حتى إذا حلت نكبة سنة 1948 عبَّر عن لواعج الخذلان والأسى في شعور حزين تناول القضايا القومية، وقد كان يجد في مناسبات الظَّفّر مثل جلاء الفرنسيين عن سورية وإعلان الوحدة بين سورية ومصر متكأ للأمل فينشد في قصائده حالماً كقوله في 18-2-1958 عشية إعلان الجمهورية العربية المتحدة:
بنو يعرب في كل شرق ومغرب
تنادوا فلا شرق هناك ولا غرب
ولكن تراث يملأ الأرض خالد
منائره في دارة الحمد لا تخبو
أمينة عباس