ثقافة

لجنة التمكين للغة العربية.. نجاحات على أرض الواقع ولكن؟!

“إذا ذُكرت اللغة العربية ذُكرت سورية”، هذا ما قاله الدكتور محمود السيد في الندوة التي أقامتها وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان “يوم اللغة العربية” في مكتبة الأسد، حيث اتخذت الطابع التحليلي لواقع اللغة العربية في مؤسسات الدولة وجهاتها العامة، وبيّنت سوء التطبيق في بعض المواضع، في الوقت الذي حققت فيه لجنة التمكين للغة العربية نجاحات كبيرة على الصعيد المحلي والقومي، ولكن ما زلنا بحاجة إلى المتابعة والإعلام بحاجة إلى “رقابة لغوية” كما قال د. خلف المفتاح عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي – رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام.

الندوة التي شارك فيها الدكتور السيد رئيس لجنة التمكين للغة العربية ونائب مجمع اللغة العربية، ود.عبد الناصر عساف من أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة دمشق بإدارة د.محمد قاسم، أثارت مسائل إشكالية ما زالت قائمة، أهمّها ظاهرة العربيزي وتفشي العامية. وفي منحى آخر حفلت بأجمل أشعار العرب التي يحفظها د.السيد، وتمّ خلالها توقيع كتابه “قضايا راهنة للغة العربية” وكتاب الأديب بيان الصفدي “مختارات من أسرارها وأخبارها”.
اللغة هي الوطن
د.محمد قاسم مدير إحياء التراث العربي في الهيئة العامة السورية للكتاب مدير الندوة، أوضح أن ندوة يوم اللغة العربية جمعت بين يوم اللغة الأم الموافق 21 شباط، واحتفالاتنا باللغة العربية في الأول من آذار، وتهدف إلى ترسيخ عمل لجنة التمكين للغة العربية لأن سورية نهضة العروبة والبلد التي حافظت على اللغة العربية، وأحد وجوه تمكين اللغة العربية أن يعتقد الفرد أن اللغة هي الوطن.
خليط لغوي
وتحدث د. ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب عن أهمية اللغة العربية وضرورة تمثّل مشروع الحفاظ عليها في الدول العربية، على سبيل الذكر هناك خليط لغوي ينتشر حتى في أوساط التعليم وخاصة في دول الخليج، وأضاف: إن الهيئة أصدرت ما يقارب عشرين كتاباً يتناول أوجه تمكين اللغة العربية، وأردنا أن تترافق الندوة مع توقيع الكتابين.
مفهوم اللغة
وقبل أن يبدأ د.محمود السيد بالحديث عن لجنة التمكين للغة العربية وإنجازاتها عاد إلى “مفهوم اللغة” في تراثنا، وفي معجم لسان العرب تعني مجموعة الأصوات التي يعبّر فيها كل قوم عن أغراضهم، وأضاف: إنها أشمل من مجموعة أصوات فهي تشمل كل صور التعبير والإيحاءات، فالموسيقا لغة وكذلك الرسم والنحت والتمثيل، وإذا أردنا ترتيبها نجد أن اللغة المنطوقة تأتي في المقدمة، وتتالت أبيات الشعر التي يحفظها د.السيد عن لغة العيون وإيماءاتها كقول الشاعر:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشارة محزونٍ ولم تتكلّم
وأورد أمثلة من لغات عدة منها القول الفرنسي “العيون مرآة النفوس” ليصل إلى أن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، وأن اللغة العربية هي اللغة الموحِّدة والموحَّدة هي التي وحدة العرب تقوى بقوتها وتضعف بضعفها، وهي لغة القرآن الكريم بلهجة قريش لأنها القاسم المشترك بين جميع اللهجات، وهي لغة سوق عكاظ العربية.
الحفاظ على اللغة
وتطرّق إلى المحاولات التي قام بها الاستعمار التركي باستبعاد اللغة العربية وفرض اللغة التركية حتى بمناهج النحو، ثم جاء الاستعمار الفرنسي وظلت سورية مستمرة بتمسّكها بلغتها، وبعد الاستقلال أصدر في عام 1959 قانون تسمية المحال باللغة العربية، وأقيمت دورات تعليمية لجميع المعلمين من كل الاختصاصات لتمكين اللغة العربية والحديث بها أثناء الدروس، وكانت عامل النجاح في التوظيف والترقية، وفي عام 1983 أصدر القائد الخالد حافظ الأسد مرسوماً بتدريس اللغة العربية لغير المتخصصين.
خطة عمل وطنية
وفي عام 2007 أصدر السيد الرئيس بشار الأسد مرسوماً بإحداث لجنة التمكين للغة العربية، مهمّتها وضع خطة عمل وطنية لتمكين اللغة العربية، والحفاظ عليها، والارتقاء بها، ومتابعة تنفيذ خطتها على أرض الواقع. وتطرّق د.السيد إلى اهتمام سورية بالحفاظ على اللغة بالعملية التعليمية، ولكن -كما ذكر- توجد أخطاء لغوية يرتكبها المعلمون، وتتم مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه بهجين لغوي، إضافة إلى قصور في التعبير اللغوي، والعزوف عن القراءة، وفقر الرصيد الحفظي، وعدم التمكن من البحث بالمعجم، وقصور التعليم الذاتي المستمر مدى الحياة، وقلة توجيه الأطفال لأهمية الكتاب، إضافة إلى مخاطر انتشار لغة العربيزي.
أما عن خطة العمل فتابع د.السيد بأنها انطلقت من أنها مسؤولية جماعية، وعلى أبناء المجتمع أن يكونوا حريصين على النهوض باللغة والارتقاء بها، فوضعت بنود عمل لكل الوزارات على سبيل الذكر، وزارة التربية 29 بنداً، وزارة الثقافة 18 بنداً، ويجب أن تكون هناك لجنة التمكين للغة العربية في كل وزارة.
ما الإنجازات؟
وتحدّث د.السيد عن أهمية الإنجازات التي حققتها لجنة تمكين اللغة العربية بتوجيه طلبات إلى جميع الجهات بضرورة تكليف مدقق لغوي لتدقيق المراسلات، وموافاة مجمع اللغة العربية بالمصطلحات الأجنبية لوضع بديل لها، وجعل اللغة العربية عاملاً أساسياً بالنجاح بالمسابقات، وناضلت لجنة التمكين للغة العربية لإجراء دورة للمعلمين كافة لاستخدام اللغة السهلة الميسّرة، وضبط الكتب بالشكل، وتفعيل المناشط الصفية، والاهتمام بالمكتبات المدرسية، وإقامة المعارض، وعلى صعيد الإعلام ضرورة التدقيق، وعلى الصعيد القومي الإسهام بمشروع النهوض باللغة العربية في مؤتمر القمة العربي 2008، وتابع عن تبادل الخبرات مع رؤساء لجان التمكين للغة العربية برئاسة د. نجاح العطار في بعض الدول مثل مصر وتونس.
سوء التطبيق
وكان المحور الأخير الذي تناوله د.السيد هو سوء التطبيق الذي يشوّه الأهداف، على سبيل الذكر عدم وجود مناهج جامعية مناسبة لتعليم اللغة العربية في الكليات من روح اختصاصها، وخلص إلى ضرورة إيجاد قانون لمحاسبة المتهاونين.
الوعي اللغوي
وفي القسم الثاني من الندوة تحدّث د.عبد الناصر عساف عن الوعي اللغوي وأثره في تمكين اللغة العربية، فبدأ بشرح مفردة الوعي التي تعني الفهم والقبول والحفظ، وتابع بأن الوعي يقود إلى الالتزام برأي سديد وسلوك لغوي صحيح، ليتوقف عند كتاب د.مازن مبارك “نحو وعي لغوي”، وأضاف: لابد من وجود جانب نظري وجانب عملي للالتزام بسلوك لغوي صحيح.
لغة هوية
فالعربية رمز للشخصية العربية ومستودع لتراثنا وجسر تواصل مع تاريخنا، ولغة هوية بأبعادها المختلفة ولغة تعاون وتفاهم، وهي اللغة الخامسة عالمياً، وإحدى اللغات الست الرسمية وتتصف بالاشتقاق والإعراب والمرونة والإيجاز، ليخلص إلى أن الوعي الصحيح يكون بمنأى عن الشبهات والأخطاء باللغة، وعدم النيل من اللغات الأخرى واحترام الآخر فكراً وثقافةً، والوعي اللغوي يكون أيضاً بعيداً عن الارتجال والغضب والتعصب، يكون موضوعياً ويقود إلى الالتزام بالمفهوم الصحيح، ويكون جزءاً من الوعي السياسي والوعي القومي، وهو مسؤولية جماعية.
رقابة لغوية
وتحدّث د. خلف المفتاح قبل توقيع الكتابين عن أهمية اللغة العربية،  وأشاد بأحد المحاور الذي تمّت مناقشته بالندوة، وهو تدريس اللغة العربية في الجامعات لغير المتخصصين بها، كي تبقى لغتنا لغة فاعلة وأصيلة، وتابع حديثه عن أهمية مرسوم السيد الرئيس بشار الأسد منذ عشر سنوات بإحداث لجنة التمكين للغة العربية وإحداث لجان فرعية لها، وعلى الرغم من أن هناك نجاحات كبيرة في هذا المجال أشار إليها د.محمود السيد ود.عبد الناصر عساف، إلا أنه من الواضح أنه ليست هناك آليات متابعة لهذه المسائل، وأضاف: لا توجد قوة تنفيذية هناك بعض الخلل، هناك الكثير من القضايا التي تحتاج إلى ضبط، فنحن بحاجة إلى رقابة لغوية على هذه المسائل لأنه في النتيجة إذا لم تعالج ويوضع لها حدّ، فسوف تتحوّل إلى ظاهرة ثقافية، وبالتالي تغزو اللغة العربية غزواً داخلياً وليس غزواً خارجياً. من هنا يأتي دور تفعيل لجان تمكين اللغة العربية، وإيجاد آليات ضبط لها ومحاسبة، وهذا لا يعني أن نكون منفصلين عن العالم، فالحديث باللغة شيء وتوطين اللغة شيء آخر، وفي نهاية حديثه أكد ضرورة الالتزام بالقضايا والمسائل التي بحثتها محاور الندوة، وبضرورة المساهمة في تخليص لغتنا الجميلة التي نعتزّ بها من كل الشوائب التي قد تعلق بها.
مداخلات
وكافة المداخلات شدّدت على ضرورة الالتزام باللغة العربية في كل المناحي الحياتية، فأشارت د.منيرة فاعور إلى ضرورة كتابة اللافتات باللغة العربية بدلاً من العامية ولاسيما أنها في الحرم الجامعي. وعلق د.محمد قاسم على أحد البرامج التي تعرض في إحدى القنوات السورية “آت هوم بفقرة منشان شو”، وإحدى الطالبات أثارت مسألة عدم التواصل المباشر مع الطلاب بمناقشة حلقات البحث، وهناك من اعترض على وجود اللائحة في ساحة الأمويين المكتوبة باللغة الإنكليزية “أي لاف دماسكس” وضرورة استبدالها بأحرف عربية.
ملده شويكاني