ثقافة

صفوح شغالة: كتبت بالفصحى ووجدت نفسي في الحلبية المحكية

لاتزال الورقة والقلم مفتاحاً لبوابته الإبداعية وأحبائه،  لا يمكن أن يفارقاه، يحاول بهما نسج شعر يملأ به صفحات دفتره البيضاء، مفضلاً أوراقه أن تكون مليئة بالكلمات الجميلة. انطلق الشاعر صفوح شغالة من بيئته، وحارته، منتقياً مفردات مجتمعه القديمة، ليشكّل حالة شعرية محببة لدى الجميع، وعلى أثرها لُقب بـ “شاعر حلب”، ولأنه شاعر غنائي متميز، تمنى كبار النجوم أن يغنوا له بفضل كلمته الملحنة تلقائياً، والمفردات التي يبَسِطها لتخرج بقالب، تحكي عن بلد بكل مكوناته وتفاصيله، كتب ليالي شعرية كثيرة، وأعطى مطربي الوطن العربي أجمل الأغاني.

تمتاز قصائده بمهارة عالية يمكن الإحساس بها أكثر من الكلام عنها، تتنوع فيها القراءات، ولكل قراءة درب تأخذنا إلى معنى جديد ما يضفي ميزة على شاعرنا قلما تتواجد عند الآخرين، فيقول:
“وجدت نفسي في اللهجة المحكية رغم أن كتاباتي باللغة الفصحى، نشرت ثقافة حلب ومفرداتها، ولم أستثن في قصائدي أي حائط في مدينتي، فقد فصّلت معالمها في كل كلمة ومفردة، ووثقت كل أثر، وحالة اجتماعية في أشعاري وقصائدي”.
ويضيف: في كل بيت من بيوت حلب- المعروفة بأصالتها وفنها- مطرب، وعازف، وصوت جديد، وهي مشكلة ولّادة، وقد حاولت بجهود كبيرة انتقاء المجتهد لأقوم بـ “معجزة”، وجمعت كل الأصوات الجميلة، وقدمت لهم كلاماً جميلاً لأوبريت بعنوان: “شكراً على العشر الماضيات”، فلكل مطرب بصمة، وقد حاولت المستحيل لعمل هذا الأوبريت، وأحضرنا مخرجة من أمريكا للتصوير في قلعة حلب، وتم التعاون مع نهاد نجار، وعملنا في ظروف صعبة جداً، ولو وضع كل هذا الجهد والتعب على أي منتج آخر لاحتل المراتب الأولى في التقييمات، فقد كانت من أنجح الأشياء، وبمنتهى الدقة، ولكن للأسف عند لحظة انتهاء العرض والتصوير، كنا كالذي وضع نقطة وبدأ من جديد، وضاع الجهد والعمل كله.

انتشار اللهجة
غنى له نجوم لبنان، وساهم في انتشار اللهجة الحلبية على لسان المطربين العرب، وحول هذا تحدث شاعر حلب:
“أن أقدم بلدي في فني هو بمثابة قضية، كما صباح فخري الذي نشر اللهجة عن طريق القدود الحلبية “تراث”، فلهجتنا جميلة، وكلماتها الخاصة إذا عُرفت معانيها، وجاءت في سياق ظريف، وقد مزجت بين اللهجة البدوية الحلبية والموال حتى تشكّل زجلاً قوياً له معان، ومواويلنا الحلبية مشهورة على لسان صباح فخري، هذه اللهجة أطلقوا عليها اللهجة البيضاء، وكانت غريبة في لبنان وقتذاك، وقدمت أول أغنية للفنان شادي جميل “انس غرامك”، هذه المفردات لم تكن موجودة، وهي في النهاية لهجة جديدة لاقت الإقبال عليها من مئات النجوم، واستطعت أن أحقق ما لم يحققه أي شاعر سوري، سواء كان من جيلي، أو من الجيل السابق، فإن كتبت باللهجة اللبنانية لن أستطيع منافسة اللبنانيين- الذين ترفع لهم القبعة- فالفن في النهاية سوق صعب، ويجب أن تكون المنافسة بلهجة جديدة، لذلك انفردت بلوني الخاص، ولم يستطع أحد أن ينافسني به، فنجحت، ولي مجد يُعتز به، وأرشيف كبير، وليس لدي أغنية أخجل منها، فكل الأغاني تحمل موضوعاً معيناً، أو قصة لا تخدش الحياء، فهي أغنية تعيش وتعمّر.
عدم تبني المواهب
في حلب تولد الموهبة، وتتربى في بلد آخر، كل مشاهير حلب خرجوا من المدينة لأجل الشهرة، والسبب هو الإعلام الذي لم يسلّط الضوء على موهبة، ويفرض حضوره في المكان الذي هو فيه، مثل صباح فخري الذي ولد في حلب، ونجوميته بدأت خارجها، ولو لم يخرج منها لبقيت موهبته مدفونة فيها، يقول شغالة:
“لدى الحلبيين طريقة عيش مختلفة عن باقي المدن، المطرب يغني لمدة 6 ساعات، يعزف ربع ساعة سماعي حتى يستعد الجمهور، وبعدها الموال والقصائد، وعندما يمل الجمهور يدخل في القدود، فيبقى “ساعتين سمع”، والغريب أن الحلبي مهما كانت المهنة التي يعمل بها فهو قادر على فهم كلام الموشح الذي يعتبر صعباً، لأنه تربى عليه، وهو مازال متمسكاً بالقصيدة، و”الدوزان” الثقيل، والنغمات الصعبة، ومن الممكن أن يخلق مطرباً حلبياً متميزاً عن غيره، وعازفاً متميزاً أيضاً، فهو يرقص على إيقاعات السمعي الثقيل، وإذا ما كانت بطيئة يرقص عليها.. في النهاية إن حلب مختلفة، ولا تغيّر من عاداتها وتقاليدها”.

إضافة جديدة
وعن الإضافات الجديدة يقول شغالة: على الشاعر الغنائي تقديم إضافات جديدة دائماً لقصيدته، هناك شعراء ابتدعوا قوافي، وسكنوها بالأغنية، ويجب أن تكون قوافي الشاعر غير مستهلكة، بل تعطي قيمة إضافية جديدة، ليس هناك أغنية شعبية أو وطنية أو عاطفية تنجح إن لم يكن فيها شيء جديد يلفت النظر، فهي في النهاية خدعة تخدع أذن المستمع، وهذا ما اعتمد عليه في كل شيء جديد أقدمه.
ولأن أغانيه عزيزة على نفسه فلا يطاوعه قلبه أن يتركها للقدر، بل يتابعها حتى يجد لها المبنى والمعنى والصدى فهو لا يمنح أغانيه لشخص غير مقتنع بموهبته، وعند سؤاله عن إمكانية أن يعطي أغنية لمطرب معين وأن يتدخل بالتصوير، أجاب: هذا يعتمد على ثقافة الشاعر، فبعضهم لا يعرفون سوى كتابة الكلمات وبيعها كلاماً للملحن وتنتهي بعد فترة، والبعض الآخر يتابعون العمل بأكمله ويغيرون في اللحن أو في المحتوى حسب الأجمل، وهناك من يتابع من البداية حتى النهاية مع الكليب والدعاية حسب اهتمام الشاعر وإمكانياته، وأنا بحكم أني كنت مدير شركة إنتاج “الشمس” والمسؤول عن إصدار العديد من الألبومات مثل ألبوم الفنانة رويدة عطية،  أعطاني خبرة إضافية في هذا المجال وحالياً أعمل كمدير فني في شركة “نغم” للإنتاج والتوزيع.
وعن إعطاء أغنية لأي مطرب، يقول: يعود ذلك لشركات الإنتاج التي تلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع، من الممكن أن أشتري عدة أغان من الشركة وأدفع مبلغاً وتصبح لي بتقديم تنازل عنها، وأنا كشركة عندما يقدم الشاعر والملحن تنازلاً عن الكلمات واللحن تنتهي العلاقة فيها، وبالنهاية سوق الأغنية شبيه بأي سوق.

الأغنية الوطنية
ومثل أي مواطن سوري تأثر شغالة بالأزمة والحرب على الوطن، فرصد إرهاصاتها ومفاعيلها على طريقته الخاصة وكتب قصائد وخواطر ومقالات للجيش وانتصاراته، وقدم عشرات الأغاني الوطنية، وفي هذا الخصوص يقول:
قدمت عشرات الأغاني الوطنية، وسجلت كل أحداث حلب، وأقدم كل شهر تقريباً أغنية، حلبية مثل “حلب بتسلم عليكي”، و”عجبك صمودك يا حلب”، ولدمشق أيضاً قدمت “أوبريت دمشق” بالإضافة إلى أغان للمطرب شادي جميل “شهباء شو عملوا فيك”، وللفنانة ميادة بسيليس أغنية بعنوان “شوفو بلدي”، ولريم نصري أغنية “رفعتي راسنا ياشام”.
المهرجانات
وعن إعادة إحياء المهرجانات، ومنها مهرجان الأغنية السورية، ودوره كشاعر غنائي في هذا المجال يجيب شغالة:
كانت المهرجانات تقام كل عام في حلب منذ أيام مهرجان الأغنية السورية، وكان الفنان غسان مكانسي مساعد مدير وعين المهرجان فيها، والمسؤول عن الخدمات التي يحتاجها، حيث اكتسب خبرة كبيرة، نظم مهرجانات حلب وأضاء لياليها، ولكن بسبب الأزمة سافر الكثير ولم يعد هناك أي مهرجان، وأنا عشت الأزمة في حلب مدة سنة ونصف، ولم يكن يوجد فيها استوديو، وانتقلت بعدها إلى دمشق. في هذه الفترة لم أعمل إلا الأغاني الوطينة، وأنا أقدم للبلد والناس أفضل ما يمكن، ومنذ فترة قصيرة عدت لكتابة أغان من النوع الراقص بعد غياب، وأعطيت أغنية للفنانين عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ولمطربين سوريين، إضافة لأغان جديدة لشادي جميل.

الشعر والانترنت
ولا يقبل شاعر حلب إلا أن يواكب الجيل الجديد، فهو يؤمن بقدراتهم وعبقريتهم، فيقول:
سورية بحاجة لدم جديد، والحرب غربلت الناس، والأغنية تتغير مثل أي “موضة”، فهناك “ستايل” جديد ومفردات جديدة تلفت النظر، وكل جيل له فرسانه في الأغنية الطويلة أو القصيرة.
وعن وسائل التواصل الاجتماعي وما يسمى شعراء الانترنت يقول شغالة: أنا أشجع هذه المواهب التي تبدأ من هذه الوسائل، وبالنسبة للتسمية “شعراء النت” هم أحرار بهذه التسميات، وكما كان لقب أحمد شوقي أمير الشعراء، اليوم الموضة هي “شعراء النت” وأنا أشجعهم من خلال هذا الفضاء، وأحسدهم لوجود فضاء يستطيعون من خلاله إطلاق العنان لمواهبهم الحقيقية المدفونة، فإن كان جيداً يتعلم منه الآخرون، أما “على أيامنا” لم يكن هناك متنفس لنا إلا بطرق صعبة جداً ونادرة.
في نهاية حوارنا طلبت من شاعرنا أن ينهي حديثه كما يحب، فأجاب بحسرة: كم كانت حياتنا جميلة حتى جاء ما يسمى بالثورة التي سرقت أحلى أيامنا وأرخت الكثير من الظلام على شمس كان شروقها يغري الدنيا ويغرقها بالنور والضياء.
جمان بركات